على الرغم من تنوع كتاباته الأدبية إلا أن الشاعر الروائي المسرحي الراحل علي أحمد باكثير يُعد واحدًا من الأدباء المعاصرين القلائل الذين قدروا المرأة حق قدرها، واستطاعوا بأعمالهم الأدبية إعادة الاعتبار إليها وإبرازها في صورة مشرفة، بل لقد أعاد كتابة بعض الأساطير التي نالت من قدسية المرأة مصححًا خطأ التاريخ أو معيدًا تفسير الأسطورة.
باكثير اشتهر بمسرحية «سر شهرزاد» وقبل كتابتها بعدة سنوات عكف على دراسة قصص «ألف ليلة وليلة» والتي تذكر خيانة زوجة الملك شهريار مع عبد زنجي، فقام بقتلهما ثم قرر الانتقام من جنس النساء بأسره، عن طريق الزواج كل ليلة من فتاة عذراء ثم قتلها فجر اليوم التالي، حتى استطاعت شهرزاد بحكاياتها «المسلية» أن تحمي نفسها من هذا المصير.
ولكن الشاعر المسرحي لم يرُق له هذا الاتهام الخطير للمرأة بالخيانة، وجعل يقلب هذه الأسطورة رأسًا على عقب وتساءل: «ألم تجد زوجة شهريار في رجال القصر من شاب جميل تصطفيه حبيبًا لها؟ وكيف لم تحتاط حتى لا ينكشف أمرها؟ ولماذا أعلن الملك هذه الفضيحة أليس الأجدر به أن يسترها؟ ثم ماذا يدفعه إلى أن ينتقم من جنس النساء؟ وإذا كان بتلك الوحشية فكيف نجحت تلك الحكايات «الساذجة» أن ترده عن انتقامه؟»
وهكذا انتهت تساؤلات باكثير إلى كتابة «سر شهرزاد» والتي يصل فيها إلى تفسير منطقي لعقدة شهريار وهي أنه أصيب بعجز «جنسي» لإفراطه في الخمر والنساء، وحينما كان يفشل مع زوجاته كان يقتلهن حتى لا يفتضح أمره، ولكن شهر زاد علمت بسره من طبيبه الخاص وتعاونا معًا على شفائه، فنالت بذلك حبه وعطفه وأبقى على حياتها.
أما زوجة شهريار الأولى فقد لاحظت انصرافه عنها دون أن تعلم بسر عجزه، فأرادت إثارة غيرته بتلك القصة المختلقة مع العبد، ولكن شهريار شكّ في أمرها واستغل هذه الفرصة ليجد عذرًا لقتلها، وهكذا نجد باكثير يبرئ المرأة من تهمة لصقت بها لأكثر من ألف عام، ولا يبالي بإلصاق أبشع التُهم بالرجل.
* من هو علي أحمد باكثير
ولد علي أحمد باكثير في سوروبايا باندونيسيا عام 1910م لأبوين عربيين من حضرموت وحين بلغ الثامنة من عمره أرسله أبوه إلى حضرموت حيث نشأ وتلقى ثقافة إسلامية عربية.
غادر باكثير حضرموت عام 1932 إثر وفاة زوجته وهي في نضارة الشباب وغضارة الصبا، وتجول باكثير في عدن وبلاد الصومال والحبشة، ثم رحل إلى الحجاز حيث قضى أكثر من عام متنقلاً بين مكة والمدينة والطائف بدأ باكثير حياته الأدبية بنظم الشعر، فنظمه وهو دون الثالثة عشرة من عمره، وفي الحجاز نظم قصيدته (نظام البردة) معارضاً بها قصيدة (البردة) الشهيرة للبوصيري، وهو دون الخامسة والعشرين، كما كتب في الحجاز أولى مسرحياته الشعرية : (همام أو في بلاد الأحقاف).
قدم باكثير إلى مصر سنة 1934 والتحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) حيث حصل على ليسانس الآداب في قسم اللغة الانجليزية سنة 1939، ثم حصل على دبلوم التربية للمعلمين سنة 1940 اشتغل باكثير بالتدريس في المدارس الثانوية من سنة 1940 حتى سنة 1955، ثم نقل بعدها إلى (مصلحة الفنون) وقت إنشائها، وظل يعمل بوزارة الثقافة والإرشاد القومي حتى وفاته، تزوج باكثير في مصر عام 1943 من سيدة مصرية لها ابنة من زوج سابق ، ثم حصل على الجنسية المصرية بموجب مرسوم ملكي في 22/8/1951م
حصل باكثير على منحة تفرغ لمدة عامين1961-1963 حيث أنجز الملحمة الإسلامية الكبرى عن عمر بن الخطاب، وهي أروع ما كتب حتى الآن وكان أول أديب عربي يمنح هذا التفرغ كان باكثير يجيد من اللغات الانجليزية والفرنسية والملاوية بالإضافة إلى لغته الأم العربية.
ترك باكثير 6 روايات و6 مسرحيات شعرية وحوالي 45 مسرحية نثرية بالإضافة إلى العديد من القصائد الشعرية التي لم يصدرها في حياته في ديوان.
من أشهر رواياته ( واإسلاماه ) و(الثائر الأحمر) ، ومن أشهر أعماله المسرحية الشعرية مسرحية (إخناتون ونفرتيتي) التي تعد أول ما كتب بالشعر الحر في اللغة العربية ، ومن أشهر مسرحياته النثرية (ملحمة عمر) التي تروي سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قالب مسرحي وتتكون من 19 جزءاً .
توفي باكثير في مصر في غرة رمضان سنة 1389 هـ الموافق 10 نوفمبر عام 1969م ودفن بمدافن الإمام الشافعي بمصر في مقبرة عائلة زوجته المصرية.
* نقلاً عن موقع باكثير