خواتم مباركة أيها القُرَّاء الأحباء
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
في هذه الليلة الرمضانية المباركة أكتب إليكم هذه الكلمات تواصلاً معكم فيما يخصُّ قضيَّتنا الجنوبية التي لا نبرح أن نذكرها في كل وقت وفي كل مناسبة لأنَّ الأعداء يتربَّصون بنا الدوائر وكثيرا ما يستغلون هذه المواسم لتنشيط حروبهم المختلفة ضدنا ،لذلك يجب أن نكون عند مستوى المسؤولية والتحدي في أي وقت ، فحب الوطن من الإيمان والدفاع عنه فريضة .
والمسلمون يبتلون دائما في شهر رمضان بكثير من المحن ، لذلك نجد التاريخ الإسلامي حافلا بكثير من الانتصارات التي أحرزها المسلمون في هذا الشهر الفضيل، منها النصر الأول للمسلمين في معركة بدر الكبرى الذي غيَّر المعادلة ورسم ملامح الدولة الإسلامية الكبرى.
أحبتي هذا الدردشة التي تلاحظونها من العنوان الذي يبدو طويلا بعض الشيء ومسجوعا لكن للأسف هذه حقيقة وهذه ظاهرة موجودة في الوسط السياسي وأحيانا في الوسط الشعبي ألا وهو وجود إخوان لنا في الجنوب يعملون ضد مصلحة الجنوب سواء أكان ذاك بقصد أو بدون قصد.
الجنوب باعتباره بلدا ووطنا فقد كان دولةً مستقلةً لها تأريخها وثقافتها وهويتها ، ودخل في وحدة جائرة ظالمة تحوَّلت إلى حرب واحتلال لكافة الأرضي الجنوبية وتدمير لكل مؤسسات دولته التي بناها شعبه طوبة طوبة ، كل هذا جعل شعب الجنوب يثور ويناضل ويقدم التضحيات تلو التضحيات من أجل استعادة دولته المستقلة على ترابها المعروف، وهذا حق مشروع كفلته له كل الشرائع والأعراف والقوانين ، وهذا الحق المشروع هنالك شبه إجماع عليه من قبل الجنوبيين ولكن مع وجود قوى سياسية بل قل شخصيات سياسية وأفراد ليسوا مع هذا الحق - مع أنه يمثل مصلحة الجنوب أرضا وإنسانا - وليس لهم أي رؤية أو مشروع آخر يصب في مصلحة الجنوب ، بل يتبنون مشروع الاحتلال.. مشروع أعداء الجنوب التقليديين والجدد ، وهذا هو ما أخر الحسم ، بيد أن تلك القوى لا تستطيع الوقوف بوجه المارد الجنوبي أو توقيف ذلك السيل الجارف ولكن مجرد تشويش وتأخير
لأن قوى الشمال وظفتهم ورقة سياسية ضد وطنهم وقضيته المصيرية.
وأنا وكل الجنوبيين الأحرار نتساءل عن سر وقوف تلك الفئة في صف الأعداء ؟
لماذا هناك عدد من الجنوبيين يقفون ضد الجنوب وشعبه ؟ لماذا يتبنون مشروع الاحتلال الشمالي؟
ربما المسألة ليست مستغربة فهي موجودة ومرافقة لنضال شعبنا الجنوبي منذ مراحله الأولى .
تبدو لي هناك مجموعة من الأسباب التي جعلت بعض الجنوبيين يقفون في صف أعداء الجنوب ويتبنون مشروع الاحتلال الشمالي منها على سبيل المثال المصلحة الفردية فهناك من تربطه المصلحة مع رؤوس الاحتلال ورموزه ، حيث بنوا مصالح خلال تلك السنوات الطويلة وبالتالي فهم يحافظون على مصالحهم ، ولكن هذه المصالح ليست وطنية ولا شعبية، بل تخصهم هم فقط.
نعم هي المصلحة الفردية الذاتية ، يعني أن لهم مصلحة ببقاء هذه الوحدة ، لكنها مصلحة فردية تخصهم هم وعوائلهم ، لكن ليس بإمكانهم عرقلة مصلحة شعب مراعاة لمصالحهم الشخصية.
ههؤلاء يجب ألا يتسموا بالأنانية ويقدموا مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية العلياء ، يفترض أن يلتفتوا إلى مصلحة الوطن ، مصلحة الشعب ، فمصير مصالحهم الشخصية مع الشمال ستنقطع ، لأن مصير هذا الشعب أن يتحرر ويستعيد دولته فإرادة الشعوب لا تُقهَر.
أيضا هناك أموال طائلة تُصرف على بعض الشخصيات الجنوبيين من قبل قادة الاحتلال ورموزه ، يعني أموال جنوبية من خيرات الجنوب تُصرف لشخصيات جنوبية يستخدمها العدو الشمالي كأدوات له ضد الجنوب أرضا وإنسانا ، يظهرها في كل منعطف مَرَّ ويمرُّ به الجنوب ، فصارت تلك الفئة تأكل وتشرب وتسافر وتسرح وتمرح وتبني وتتاجر وترسم خططها المستقبلية من هذا المال الذي يُعطى لهم ،وصاروا لا يهمهم قضية وطن ولا مصلحة شعب ولا شيء من هذا القبيل فكل همهم هذه الأموال وكيف يستمر ضخها.
فهؤلاء ضحوا بالقضية وتاجروا بها في حين أن الأحرار ضحوا من أجلها
ودفعوا حياتهم ثمنا لانتصارها .
حقا فالبعض قد باع القضية ، وليس هناك تخوين في هذا، فالخيانة موجودة ، ونحن لا نطالب بمحاكمتهم
وإن يكن ذلك مشروعا في تاريخ الشعوب والثورات بل نقول إنهم باعوا واشتروا في القضية ،ولا زلنا نسأل الله لهم الهداية والعودة إلى جادة الصواب.
والبعض قد لا يكون خائنا بل هو ضد بعض التوجهات وضد بعض الأشخاص لأسباب غير مقنعة ، فمثلا إذا كان يعادي أو يختلف مع أناس كانوا في الحراك وصاروا الآن في المجلس الانتقالي فصار ينظر إلى القضية الوطنية من نظرهِ إلى هؤلاء ، لكن قضية شعب الجنوب ليست إيدلوجية وليست سياسية اعتيادية ، فهي قضية وطنية تجمعنا جميعا سواء مع من نحب أو مع من لا نحب ، وهذا قد يكون سببا عند البعض، لأسباب نفسية أو مناطقية لكنها غير مبررة ولا مقنعة فهي أقرب إلى المزاج .
يجب ألا نشخصن القضية فهي أكبر وهي جامعة والحق لا يعرف بالرجال هذا او ذاك فيجب اولا أن نعرف الحق فإذا عرفناه عرفنا رجاله والحاملين لواءه.
اختلافي مع فلان أو علان من الجنوبيين يجب أن يكون حول قضية معينة ويجب أن يبقى الخلاف في هذا المكان ، في هذه الزاوية ، لكن فيما يخص القضية الوطنية فهي جامعة لكونها تخصني وتخصك تخص ابني وابنك، ونحن ننظر إلى ما هو مشترك ، لا أن نسيء إلى الوطن ونفرط بقضيته لأننا مختلفون مع هذا أو ذاك حول أمور شخصية او
غيرها فهذا من الجهل ، وعدم الفهم ، وسوء تقدير الأمور.
كذلك الأسباب "الحزبية والإيدلوجية"فنحن نقول من زمان إن قضيتنا في الجنوب ليست قضية سياسية اعتيادية و ليست قضية إيديولوجية ، هي قضية وطنية مصيرية مهما اختلفت أحزابنا وسواء بقينا في هذه الأحزاب أم خرجنا منها ، فمثلما كل أعدائنا على مختلف أحزابهم متوحدون علينا يجب أن نكون بمختلف أحزابنا متوحدين تحت إطار هدفنا المشترك وقضيتنا الكبرى ، فالأحزاب في كل بلد تخدم الشعب والوطن وليس العكس.
وهذا الاختلاف الحزبي أو الإيدلوجي لعلَّه سبب من تلك الأسباب التي جعلت تلك الفئة الجنوبية تقف ضد الجنوب ومصلحته خاصة المنتمين للتجمع اليمني للإصلاح من الجنوبيين لأن الحزب رباهم على الولاء للمرشد وليس للوطن.
كذلك المناطقية هل تظنونها سببا من الأسباب؟! لا اظنها كذلك وإن كان لها جذور ، ولها من ينعشها ، ومن يحميها ، ومن يسعى لتعزيزها .
فالجنوب مثله مثل أي بلد مكون من مجموعة من المناطق ، وقضية الجنوب قضية جامعة تخص كل المناطق فلا بد من الاجتماع عليها وتقديم المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى ثم أن مصلحة الجزء هي من مصلحة الكل منطقيا ومناطقيا.
فلا بد أن نتخلص من عُقَد الماضي ومساوئه ، فالجنوبيون أعلنوا تصالحهم وتسامحهم في ٢٠٠٦م ولا زالوا يحيون هذه الذكرى كل سنة.
ولكن يبدو أننا نحن الجنوبيين نتصالح ونتسامح عندما نكون جميعنا في الشارع، ونصبح بلا وطن ولا سلطة ولا أي شيء،وعندما تبدأ لدينا امتيازات معينة في هذا المركز أو ذاك إلى جانب أي سلطة سياسية لليمن او غيرها ننسى مبدأ التصالح والتسامح ونتجاهله.
التصالح والتسامح يجب أن يكون ونحن في الشارع ،ويجب أن يكون ونحن في قمة السلطة ، أي : يجب أن يكون في كل الأحوال.
فالتصالح والتسامح مبدأ عظيم لا يستقيم حالنا كجنوبيين إلا به.
عجبي لماذا نجد بعض الجنوبيين ينفرون من قضية الجنوب العادلة ، وينساقون وراء وحدة الوهم والهوى الفاشلة في كل الأحوال؟!
الوحدة مشروع سياسي كُتِبَ له الفشل ، وفي ظل حياة وثقافة وسياسة الناس في الشمال الحالية ستفشل الوحدة في أي وقت قادم، فلا أحد يجرب المجرب والأمور باسبابها ولن يكون الاحتلال وحدة
تحت اي ظرف .
هؤلاء الذين يقفون في صف الأعداء ضد مشروع الجنوب وقضيته العادلة لا مبرر لهم إطلاقاً.
الحراك الجنوبي ليس حزبا ،ثورة الجنوب ليست حزبا، كذلك المجلس الانتقالي ليس حزبا أو مجرد مكون سياسي ، هو حامل قضية الشعب الجنوبي والممثل عنه
يجب أن نميز بين الأحزاب وبين القوى الوطنية الحاملة للقضية .
أنا لا أستغرب وقوف أي شمالي ضد مصلحة الجنوب وضد قضيته العادلة فهو بالأصل يخدم مصلحته فهم مستفيدون من هذه الوحدة الظالمة ، ولكن أنا أستغرب كل الاستغراب أن أجد عددا من الجنوبيين يقفون في صف الأعداء ضد الجنوب وقضيته .
يجب أن لا نخلط بين ما هو سياسي روتيني اعتيادي وبين ما هو وطني ، تتكلمُ عن الانتقالي أو عن القضية الجنوبية ، فينبري لك أحدهم قائلا لك سكِّهنا من السياسة ، سكهنا من الحزبية. أخي العزيز هذه ليست حزبية ، هذه ليست سياسة ،فأنا شخصيا أستاذ في الجامعة ومتخصص أدب عربي ونقد لا دخل لي بالسياسة الاعتيادية وعدت من دراسة الدكتوراه لا أريد أن أدخل في أي مجال سياسي ، لكن وجدنا هذا الظلم ، هذا البغي ، هذا الاحتلال ، وجدنا شعبنا ممقهورا وارضنا محتلة فكان لزاما علينا الدخول في هذه المعمعة ، ولكون الوضع غير طبيعي لم نكتف بممارسة أعمالنا الأكاديمية كدكاترة ،لذلك وُجِد كثير من الدكاترة والأكاديميين في صفوف الحراك والثورة الجنوبية والان في صفوف المجلس الانتقالي ، وخضنا تلك الأمور لكونها تمثل جانبا وطنيا لا حياد عنه
ودفعنا ثمن ذلك وتحملنا أذى كثيرا ،
مع أن وضعنا في الجامعة حينذاك كان أحسن من وضع الآخرين ولكن ليس من وجد العافية دق بها صدره .
لاحظوا أيها الأحبة كما قضينا من الوقت ونحن نحاول إقناع بعضنا في إطار الجنوب ، حوار بين المكونات ، وتشاور ، وأنت تعال يا فلان ، وحاول تقنع لنا فلان و...إلخ.
هذا الوقت والجهد الذي بذلناه كان المفترض أن يُبذَل في مواجهة الأعداء، أعداء القضية.
مثل هذه الأمور بديهية ولا ينبغي أن نبذل فيها هذا الوقت والجهد ، عندنا قضية وطنية تجمع الجميع، وبيننا ميثاق شرف .
الشاذون عن صف الجنوبيين هم من أتعبونا وأربكونا وسببوا لنا الكثير من المشاكل ، وشوشوا على قضية الشعب الجنوبي العادلة .
كذلك قد يكون السبب عند البعض هو قلة الفهم وعدم الاكتراث بالأمور وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية وعدم العلم، وضعف التمييز بين الحق والباطل.
نحن في الجنوب متساوون أفرادا ومناطق فليس هناك منطقة حاكمة ومناطق محكومة كما جرى ويجري في الشمال وهذا جانب إيجابي في الجنوب لكننا ندفع ثمنه في عدم التوافق احيانا بشكل سريع يلبي
مصلحة القضية .
يجب أن نقبل ببعضنا وأن ننظر إلى المصلحة الوطنية ، وأن نحكِّم العقل.
ونصنع مرجعياتنا السياسية والوطنية
بانفسنا من الميدان بفعل جدارتهم وكفاحهم الوطني الجنوبي.
وختاما
الجنوبيون وطنيا وموقفا وهوى وهوية هم الذين مهما اختلفوا وتباينت آراؤهم لا يصل اختلافهم إلى الوقوف مع أعداء الجنوب والوقوف ضد قضيته العادلة وتبنِّي مشروع الشمال أبدا أبداً .
ففي الإمكان أن نختلف تحت خيمة الجنوب في بعض التفاصيل بعيدا عن الثوابت الوطنية الجنوبية،
ثم أن هذه المرحلة لا تسمح بالمبالغة
في الخلاف والاختلاف ولكنها تستوجب التماسك والتوحد صوب الهدف المنشود .
اللهم إنا استودعناك الجنوب وشعبه وقضيته وقيادته وقواته المسلحة
وتضحياته ومكتسباته ، يا من لا تضيع ودائعه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
سيد المرسلين.
د عبده يحيى الدباني.