نكتب اليوم في موضوع شائك ويبدو جديدا على الكتابة
ولكنه موجود في واقع الجنوب عامة وعدن خاصة.
سنتحدث عن ظاهرة مؤرقة مرتبطة بأراضي الدولة وما جرى لها من سلبٍ ونهبٍ بعد الوحدة المشؤومة وأيضا خلال السنوات الأخيرة ما بعد حرب ٢٠١٥م .
مشكلة الأراضي معقدة وبحاجة إلى دولة نظام وقانون ومؤسسات
وبحاجة إلى قضاء عادل وقوة أمنية ضاربة .
فمثلا لو تساءلنا عن تلك المساحات والأراضي الواسعة والمؤسسات التي نهبها الفاسدون من نظام الاحتلال الشمالي التابعون لمراكز النفوذ في الشمال .
– ما مصير تلك الأرضي والمؤسسات والمساحات الواسعة بعد خروج قوات الاحتلال الشمالية من عدن والمناطق المجاورة لها؟!
-أين ذهبت تلك المؤسسات وأرضي الجمعيات ،ومئات المخططات ،وملايين الهكتارات من تلك المساحات الشاسعة التي كنا نتحدث عنها منذ ١٩٩٤م؟! التي رصد بعضها د محمد حسين حلبوب ذات يوم ؛ ووثقها تقرير باصرة..هلال رحمهما الله تعالى.
هل جرى إعادة هذه المغتصبات غير الشرعية بعد خروج القوات الشمالية؟!ولمن تم إعادتها؟! أو لمن ستعود ؟!
-ما هو وضعها الآن؟!
-هل عادت إلى ملك الدولة؟!
وأين هي الدولة التي ستعود إليها؟
بصراحه لم تعد إلى ملك الدولة أو بالأصح إلى ما تقوم مقام الدولة في الجنوب من الهيئات والمؤسسات.
هل سطا عليها جنوبيون مثلاً؟! ،فنحن لسنا مع سطو الجنوبيين على هذه الممتلكات،لأنها ممتلكات دولة…ممتلكات شعب الجنوب واصوله الشرعية ، وركائز ودعائم بناء دولته المنشودة، ولا يجوز لأحدٍ أن يسطو عليها وأن كان جنوبيا ،ولا يجوز أن تنتقل من أيادي أولئك الباسطين والمتنفذين الشماليين إلى أيادي مافيا جنوبية.
لكن الملاحظ أن الذي حصل أن أولئك الشماليين من المتنفذين وأرباب الاحتلال منهم من باع وللأسف هناك من الجنوبيين من اشترى منهم .
ومنهم من وكَّل جنوبيين على هذه الممتلكات ،وكَّلهم بها أو جعلهم يحرسونها له مقابل فتات يتفضَّل به عليهم.
يعني “وكأنك يا زيد ما غزوتَ” ،فلا تزال تلك المنهوبات والمغتصبات الواسعة مع المتفذين الشماليين وصار الكثير من الجنوبيين مدنيين وعسكريين يحمونها ويحرسونها ويدخلون في مشاكل ونزاعات مع جنوبيين آخرين بسببها،رغم أننا لا نقول للجنوبيين يجب أخذها ونهبها والاستيلاء عليها لأنها أراضي الدولة ويجب أن تُعاد إلى ملك الدولة، إلا من كان له حقٌ خاص تعرض للنهب من قِبل أي متنفذ شمالي فيحق له أن يستعيده سواء عبر القضاء أو عبر أي طرق مناسبة.
نضرب مثلا لتلك المغتصبات ،أراضي الجمعيات الزراعية، تلك الأرض التي وزعتها الدولة على مزارعين جنوبيين من مختلف الأماكن حتى يستفيدوا منها ويستثمروها في الزراعة وهي لم تُعطَ لهم تمليكا ، بل هي مخصصة للزراعة والانتفاع الزراعي.
ولكن عندما جاء الاحتلال الشمالي بسط عتاولته على معظم تلك الأراضي وطردوا الفلاحين والمنتفعين من أكثرها وقاموا بتملُّك غالبيتها بطرقٍ شتَّى وتمليك بعضها لقبائل مختلفة ورجال مافيا أدعت ملكيتها لهذه الأرض وبدعم من المتنفذين وبمساعدة من القضاء الفاسد، مُلِّكوا تلك الأرضي ،وبعد أن أصبحت تلك الأراضي الشاسعة ملكا لأفراد ذهب أولئك المتنفذون للشراء منهم ،لأنهم هم من أوصلوهم إلى تلك الملكيات بطرقهم المختلفة، تحايل وتزوير واستصدار أحكام وقرارات صرف واستقواء وغيرها .
وهناك من المتنفذين الشماليين المستقوين بسلطة الاحتلال من قام بإجبار المزارعين -الذين استماتوا على أراضيهم الزراعية وتمسكوا بها- على البيع والضغط عليهم بطرق شتى، وسجنهم، وتهدديهم بالتصفية ،ونسب التهم الكيدية لهم
وبالفعل كان لهم ذلك،فقد كُتِبَت عقود بيع بعض الجمعيات الزراعية في زنازين الاحتلال، بلا شيء،وأُخِذَت بلا مُقابل تحت الضغط والتهديد والإكراه.
ثم يقوم أولئك المتنفذون بتحويلها من أراض زراعية إلى مخططات سكني تجاري ،ويبيعونها على مرأى ومسمع من الكل بتواطؤ من هيئة الأراضي ومن الإسكان وغيره.
كان الحكم حكمهم وكانوا يجنون ثمار احتلالهم للجنوب.
مع أن الجمعيات الزراعية لم تنهب أرض الدولة، فهي ليست ملك المزارعين،بل ملك للدولة وبإمكان الدولة أن تأخذها في أي وقت مقابل تعويض للمزارعين متى ما احتاجت إليها.
أما الآن فقد صارت تلك الأرضي ملكية خاصة مع هذا أو ذاك، وهي ادعاءات ايدها وباركها القضاء الفاسد في البلاد الذي ملَّك كثيرا من أراضي الدولة لأناس كثر عبر الوساطة والمحسوبية والرشى الباهضة وتدخل مراكز النفوذ الشمالية.
لم يقتصر الأمر على أراضي الجمعيات الزراعية فهناك مئات المخططات السكنية للموظفين والعسكريين والموطنين جرى السطو عليها وإعادة تخطيطها وصرفها زورا وبهتانا ويا ويل اي موظف يذهب يبحث عن ارضيته في تلك الرمال المتحركة او المزارع المدلهمة او في غابة الحديد والاسمنت فقد لا يعود إلا جثة هامدة!!
اما الجنوبيون الذين يحمون مصالح شمالية غير مشروعة- لا أقصد بذلك مصالح الاخوة الشماليين الحقيقية المشروعة فتلك حقوقهم وممتلكاتهم سواء في هذا الظرف أو في مرحلة دولة الجنوب التي ننشدها
فذلك حق سيُرَاعى أمره – أولئك الجنوبيون الذين يحمون المغتصبات والمنهوبات الجنوبية للمتنفذين الشماليين، سواء مدنيين أو عسكريين ، وبالأخص أولئك القادة العسكريين الجنوبيين الذين يحمون ويحرسون تلك المغتصبات بقوات مسلحة جنوبية.
نقول لهم:
أين ولاؤكم للجنوب وقضيته العادلة ؟!
أين وفاؤكم لدماء الشهداء والجرحى الذين سقطوا تحت قيادتكم في ميادين الشرف والبطولة والدفاع عن كل ذرة رمل جنوبية؟!
هناك من هم في الجبهات يسهرون على ارض الجنوب وشعبه وقضيته العادلة دونما رواتب وانتم تسهرون
على عقارات الفاسدين المنهوبة.
أيها الرفاق ..الولاء للجنوب وقضيته العادلة والوفاء لدماء الشهداء والجرحى يتناقض مع ما تقومون به
تمام التناقض.
كيف تقول إنك جنوبي وتريد الجنوب، وتنشد دولته ،وأنت تتعامل بهذا الشكل المخزي والمعيب .
يعني بدلا من أن تحمي الجنوب ومصلحته وشعبه وحدوده وسيادته، تسخِّر هذه القوة التي تقودها لحماية مغتصبات المتنفذين الشماليين وحراستها مقابل فتات يلقونه إليكم
بل ويصل بكم الأمر إلى التصادم مع إخوانكم الجنوبيبن من أصحاب الحق وسفك دماء أفرادك في سبيل ذلك .
ندري أن قيادتنا السياسية الجنوبية محتارة في هذه القضية ،فهي حقا شائكة.
ولكن على الأقل كان ينبغي أن توقف هذه المهزلة وتمنع البيع والشراء والبناء فيها ،في ظل قضاء فاسد ومؤسسات فاسدة ،وكثرة الإدعاء بالملكية والتمليك من قبل البعض.
حتى أنا واجهت صعوبة في الكتابة عن هذه المشكلة المؤرقة،فأنا لست من أهل هذا الوسط الشائك، ولكني __من ضحاياه كعضو في جمعية زراعية
من تلك الجمعيات الضحايا التي تواطا عليها حتى بعض اربابها.
لكن حرصنا على توعية الجنوبيين بمآلات هذه المشكلة جعلنا نكتب عنها.
نحن نريد وطنا ،نريد دولة نظام وقانون،وهذه ملكية عامة،ولا أحد ينهب حقه أو يسرقه أو يسابق في البسط عليه .
كيف أنت تريد دولة وتسعى إلى ذلك وقدمنا الكثير من الشهداء في سبيل تحقيق ذلك وبالتالي نتسابق على البسط على ممتلكات الدولة أو نحمي ونحرس مصالح ومغتصبات المتنفذين الشماليين وأرباب الغزاة مقابل راتب زهيد .
الوطنية وحب الوطن والإخلاص والوفاء له منظومة لا تتجزأ ،فمن يحمي مصالح المتنفذين ومغتصباتهم لا يجوز له أن يهتف باسم الوطن أو يتشدق بالوطنية. قضية الجنوب ليست شعارا نردده او أماني نتغنى بها ، الوطن في الأخير هو أرض وثروات ومصالح عامة . ودولة الجنوب لن تهبط من السماء جاهزة
بل هي هذه الأرض وهذا الشعب ومدن وتخطيط وبنى تحتية ونظام وقانون ونحن الآن في مرحلة تأسيس الدولة المنشودة فكيف نرضى أن نضع العراقيل الكاداء في طريق دولتنا المرتقبة؟
ففي بعض الأماكن لم يتركوا مكانا للمدارس ولا للمقابر ولا للمراكز الخدمية والصحية،لم يتركوا أماكن للمراكز الحكومية ولا للصرف الصحي.
ما الذي يجري بالضبط؟!
إنه مكر الليل والنهار !!
من أين تُضَخ هذه الأموال الطائلة والضخمة وخصوصا في عدن ،في ظل هذه الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها؟!
فسوق العقار في عدن يشهد ارتفاعا جنونيا لم يُسْبَق له مثيل
مع أن بعض هذه الارضي ليست رسمية ولا مخططة ولا موثقة وربما هي مصروفة لأناس أخرين تم الاستيلاء عليها بالقوة وبيعها.
مهمتنا الآن في الجنوب : الإنتقالي والعسكريين والأمنيين والأكاديميين والمثقفين وغيرهم أن نؤسس لدولة الجنوب القادمة في كل مجال ،لا أن نحمي تلك الشرعية المتهالكة وبقايا الاحتلال وهي التي تملك القرار ،فتقرر وتتصرف كما تشاء ،وقراراتها فاسدة لا تخدم الجنوب.
إلى متى سنظل نحمي وندافع عن هذه الأرض والفاسدون هم الذين يملكون الأرض ويملكون القرار ؟
اللهم إني بلغت
اللهم فاشهد
د عبده يحيى الدباني.