قال الشاعر فيما قال: (كيف يسعى لجنون من عقل)
إن أغلى وأهم ما في الإنسان هو عقله، فمن خلاله يستطيع التمييز بين الخير والشر والحق والباطل والنافع والضار والصحيح والخاطئ، وغير ذلك من الأمور. لقد أكرم الله الإنسان بالعقل وفضله به عن كثير ممن خلق ومما خلق سبحانه تعالى، فالعقل نعمة النعم وذهابه كارثة الكوارث، ولا أرى الخمور والمخدرات والمسكرات بوجه عام إلا حربا على العقل وإخراجه عن وظيفته التي هي وظيفة الإنسان في الأرض، فإذا كانت الخمور قد حرمت في الإسلام لهذا السبب فإن المخدرات التي شاعت اليوم تعد أشد ضررا وفتكا بالإنسان وبعقله من الخمور، فهذه المخدرات بشتى ألوانها تحول الإنسان إلى شبه إنسان وتقربه كثيرا من الحيوان، بيد أن الحيوان مفطور على طبيعة معينة فلا يثير الفساد في الأرض كما يفعله الإنسان المنحرف .
فمنذ سنوات ومدينتنا عدن خاصة وكل محافظات الجنوب تواجه حرب المخدرات المدمرة، فضلا عن الحروب الأخرى مثل داعش والقاعدة وغزوات الشمال المتكررة، وأكثر المستهدفين في هذه الحرب الشعواء هم الشباب نظرا لدورهم العظيم في الحاضر والمستقبل، ولأنهم قرة عين هذا الوطن الذي يحاول النهوض والتحرير واللحاق بركب الشعوب والأوطان؛ فهنالك مؤشرات ودلائل كثيرة تثبت أن أسعار هذه المخدرات مدعومة في بلادنا من قبل شياطين السياسة من أعداء الجنوب المعروفين. مع أن آفة المخدرات بوجه عام تهدد الشباب في الشمال والجنوب معا في ظل الأوضاع المنهارة التي تشهدها البلاد كلها. فمثلما هناك وكالات محلية تعادي الشباب والإنسانية، فهناك قوى عالمية صهيونية وغيرها تشن هذه الحرب الخبيثة على بلدان العرب والمسلمين.
إن كثيرا من الجرائم البشعة التي نسمع عنها بين حين وحين وقعت تحت تأثير هذه الآفة الملعونة مثل قتل الآباء للأبناء أو العكس وارتكاب الفواحش والمحرمات الدخيلة على مجتمعاتنا المحافظة. لقد استغل المروجون للمخدرات أوضاع الشباب من فقر وفراغ وضعف تعليم ومشاكل وهموم يعانون منها واستغلوا كذلك ضعف الجهات الأمنية في المتابعة والرصد والرقابة حتى صارت المخدرات تباع في كل مكان بحيث يغلى (الكراث) ويرخص (الحشيش).
لقد توغل هذا السرطان المسمى بالمخدرات إلى أماكن قصية وعصية حيث وصل إلى العائلات ومدارس البنات وكليات الجامعة وغيرها حتى بات خطرا يهدد المجتمع والأسر ويضرب النسيج الاجتماعي حتى في أبسط دوائره.
إن خسارتنا في شبابنا لا تعوض فهم رأس مال البلد، فالحرب تحرق منهم من تحرق والتطرف يستقطب منهم من يستقطب لتأتي المخدرات لتطلق عليهم رصاصة الرحمة وتحولهم إلى أشباح وإلى وحوش بشرية.
إن غياب أجهزة الدولة وضعف التعليم والمشاكل الأسرية وعدم قيام الأسر بواجبها تجاه الأبناء وكذا رفقاء السوء والفراغ والبطالة، كل ذلك تعد أسبابا لتفشي هذه الظاهرة الخطيرة بين شبابنا خاصة، فضلا عن أهداف المتربصين بشعبنا وقضيتنا وثورتنا التحررية في الجنوب.
كل التحية في ختام هذا المقال للدكتورة سعاد يافعي رئيسة مركز مكافحة المخدرات، تلك الجندية المجهولة في مكافحة المخدرات في عدن وغيرها، ولكل من وقف بالمرصاد أمام هذه الحرب الخبيثة من منظمات ومراكز توعية وأئمة مساجد وجهات أمنية وشخصيات مهتمة، ورحم الله أسرا حرصت على أبنائها ولم تتركهم في مهب الضياع.