تكاد تكون الحرب في اليمن واحدة من أغرب الحروب وأعقدها على مستوى المنطقة العربية الملتهبة، وربما على مستوى العالم كله.
اليمن هو «البلد الفقير الغني»، جملة تختصر الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تؤرق العارفين، أكثر ممن جهلوا حكاية البلد الغريق بين أسرار فقره وغموض غناه.
تأتي حرب اليمن العبثية لتضعنا والعالم أمام أحداث المشهد الحقيقي وتجلياته التي برزت فجأة من دهاليز السر الحصين إلى واقع مكشوف يتهادى بسوئه المفرط أمام مرمى أنظار الأمم.
مخطئ ذاك الذي كان يعتقد يوما أن بلدا كاليمن كان يمثل دولة حقيقية يسودها القانون وتحكمها المؤسسات، لا بل إن من كان يدير هذا البلد بقالب الدولة ظل يرسمه على شكل منظومة خاصة به وبشركائه، من القوى القبلية والأحزاب والتفريخات المنبثقة عن الجماعات التقليدية التي تمضي حيث تمضي الرياح، دون النظر إلى حاجة الشعب ومستقبل الوطن وطبيعة المتغيرات المشهودة حول العالم اليوم.
وليس غريبا أن يجهل الناس حقيقة أن هذه الحرب ما هي إلا محصلة طبيعية لصراع طويل دامٍ محتدم في الظل، ولم يخرج منه إلى العلن طوال مدة قيام دولة من هذا النوع البائس، ليست سوى نسخة مشوهة من أسوأ الكيانات الفاسدة على وجه المعمورة.
لم يعد مجديا الحديث حول حقبة ما قبل العام 2011م في الوقت الذي باتت تخنق أنفاسنا أدخنة الحرب وتحجب عنا رؤية ما يلوح في آفاق السماء.
غير أنه من المهم جدا أن نميز طبيعة هذا الاحتراب الشرس، وما جدوى أن يموت الآلاف وتدمر المدن ويفتقد الأمن ويذهب البلد برمته نحو التفتيت والضياع؟!
إلى حد الآن لم تعد عقلية الدولة فاعلة أو حاضرة ولو بالحد الأدنى من الأمنيات، ولم يكن هنالك من مانع يمنع الكارثة، أو أن يحد من وطأة سقوط البلد المدوي، ويقيه حتمية الانهيار المريع.
بكل بساطة، هذه هي النتيجة الحتمية لمفهوم «المشاريع» التي يُراد لها أن تمسك بزمام الأمة، وأن تطل علينا يوما بثوب الدولة ومؤسساتها، إن كانت لا تزال ثمة مؤسسات حقيقية، فجميع المشاريع المتصارعة الآن ظلت وماتزال تدير حربا ولا تدير دولة.
ولمن لم يدرك ما فات، فهي أيضا «أي الحرب» مقدمة لذات المشاريع المستقبلية التي تتجه بوحشية نحو الانقضاض على ما تبقى من فتات السلطة في هذا البلد المدمر.
*- جلال السعيدي