السعودية الجديدة الفتيّة

2018-06-28 13:43

 

تزامن تنفيذ قرار قيادة المرأة السعودية للسيارة مع الذكرى الأولى لمبايعة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائد التحديث في السعودية، ما كان رؤية في أبريل 2016م عندما أُطلقت رؤية 2030 أصبح واقعاً ملموساً في المجتمع السعودي الذي نرى فيه تغيرات شاملة وتحديثات واسعة في مختلف المجالات، حجم التحولات السعودية لها أبعادها التي تتجاوز حدودها نظراً لما تمثله المملكة من وزن سياسي وقوة اقتصادية والأهم عمق ديني يجعل من هذه التحولات ذات تأثيرات وأبعاد تتجاوز الداخل السعودي وتؤثر في محيطها العربي والدولي، وبالتالي فإن الريادة السعودية التي تتعزز في السنوات الثلاث الأخيرة أهميتها أن تنطلق من القوة التي يمتلكها الشباب السعودي بطرفيه الذكوري والأنثوي فهذا هو الدافع الأقوى باتجاه التحديث السعودي.

 

يقود الأمير محمد بن سلمان حملة الإصلاحات والتحديثات، هذا التحدي المثير يتطلب إيمان القائد بالشريحة الأوسع في المجتمع السعودي وهم الشباب الذين تعول عليهم السعودية في تجديد خلاياها باستحداث أنماط غير تقليدية في مختلف الجوانب المعيشية في الداخل السعودي، الفكرة الأساس أن رؤية 2030 تعتمد على جيل يمتلك الوعي والإرادة على أن يذهب بعيداً للأمام بالسعودية، وهذا بحد ذاته يعتبر تحدياً مختلفاً بدأنا نستشعره مع الخطوات الإصلاحية والوثبات التي نتلمسها خاصة في التغيير الاقتصادي المعتمد على المعرفة.

 

 

 

في أكتوبر 2017م قال الأمير محمد بن سلمان «لم تكن المملكة العربية السعودية على هذا النحو قبل عام 1979، نريد العودة إلى ما كنا عليه، الإسلام المعتدل المنفتح على جميع الأديان، نريد أن نعيش حياة طبيعية وأن نتعايش مع العالم ونساهم فيه، ولن نقضي السنوات الثلاثين المقبلة من حياتنا في التعامل مع هذه الأفكار المدمرة»، هذا المنطلق الأساس في التحديث السعودي هو استعادة الإسلام المعتدل والانطلاق نحو الريادة فهذه معادلة واضحة وممكنة التحقيق ومنها فتح مجالات العمل للجنسين وإطلاق الأفكار الإبداعية في سوق العمل فالشباب هو العنصر القادر على ذلك وهو مفتاح التغيير الأساس.

 

المشكلة الأساسية تتمثل في «التطرف» بطرفيه السنّي والشيعي، فكما استحكمت حركة الإخوان المسلمين في مفاصل الحياة وعملت على تعطيل المحركات في الداخل السعودي وصلت أطماع إيران إلى ما هو أكثر من مجرد تطويق السعودية بالجماعات الموالية لها إلى استهداف الأمن القومي السعودي، فظهور جماعات على غرار حزب الله اللبناني في اليمن وتغذية النزعات المتطرفة في شرق السعودية وتسييس المواسم الدينية من الحج إلى العمرة وإيواء المتطرفين من تنظيم القاعدة في إيران وتقديم الخدمات اللوجستية لاستهداف المدن السعودية بعمليات إرهابية كانت كلها مشكلة واحدة تتطلب مواجهة مزدوجة عسكرية كما يحدث في اليمن وكما حدث في البحرين عام 2011م وإطلاق ثورة سعودية تنموية تسارع فيها الرياض الخطوات بينما تسقط إيران في مكانها غير قادرة على مسارعة المتغيرات التي بطبيعتها تنعكس في الداخل الإيراني فالشعب في إيران يرى تراجع عملته الوطنية وتردي الخدمات والفساد بينما السعوديون يذهبون إلى تعزيز حضورهم ضمن القوى العالمية الاقتصادية ويؤثرون بإيجابية في تنمية مستدامة لبلادهم ومحيطهم الخليجي والعربي.

 

عطلت ظاهرة التطرف الكثير من قدرات الشعب في المملكة على الخلق والإبداع والمساهمة في الحياة المعاصرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد وضعت تلك الظاهرة المملكة في مكان لا يليق بها من حيث كونها قوة اقتصادية كبيرة، إضافة إلى ما يمكن أن تلعبه من أدوار أساسية في تطوير الحياة في العالم العربي بما ينسجم مع حجمها السياسي.

 

السعودية دولة محورية ليس على مستوى الشرق الأوسط بل على مستوى العالم، تبعات التحديث الداخلي ينعكس على الخارج وهذا يعود إلى الثقل الذي تمثله الرياض والأهم هو دورها السياسي خاصة في تدعيم الدول الوطنية العربية منذ فوضى الإخوان المسلمين في 2011م، البحرين ومصر واليمن والأردن هي نماذج للدور السعودي السياسي في نطاق مواجهة مشاريع التخريب يقابل ذلك أيضاً بناء شكل مختلف من العلاقات مع الحلفاء الدوليين كما حدث في تحديث العلاقة السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية بداية من عقد القمة العربية الأميركية في الرياض (مايو 2017م) ومروراً بالصين وبريطانيا وفرنسا ووصولاً إلى تمتين العلاقة مع الحليف الإماراتي وصناعة نموذج عربي فريد لم تعرف العلاقات العربية العربية شكلاً له من قبل يهدف إلى تكامل سياسي وعسكري وأمني واقتصادي واجتماعي وما تم إطلاقه في يونيو 2018م من حزمة مشاريع بين الرياض وأبوظبي هي تأكيد على أن مفهوم الشراكة بين الدول لها منطلقات في وحدة الرؤية بين القيادات السياسية.

 

تمكين المرأة السعودية خطوة في طريق طويل نحو الدولة الأكثر قوةً وثباتاً، والدولة الأكثر قدرة على أن تلعب الأدوار الرئيسية في الشرق الأوسط والعالم، هذه الأبعاد في مجملها ستزيد من الضغط على الشعوب المجاورة التي ستعمل من جهتها لإجبار حكوماتها على التغيير من سلوكها السياسي لتساير السعوديين الذين سيكونون قد قطعوا أشواطاً في حضورهم المؤثر عالمياً.

*- البيان