عاد ‘‘علي عوض‘‘ الى منزله الصغير محمولا هذه المرّة على ظهر رفاقه وسُجّي جسده النحيل وسط بناته الخمس على أرضية الغرفة الوحيدة في المنزل المكوّن من غرفة ؛ تحلقن حوله والخوف يملئ عيونهن , لا زال يتنفّس قالت " أوسطهن 3 أعوام قاطع المشهد رفيقه في الجبهة "هو مصاب بشظايا اخترقن نصف جسده الأعلى وأجريت له عملية في أطباء بلا حدود لإخراج شظية كادت تفتك بقلبه لولا عناية الله يحتاج الى الراحة التامة " ولا زالت عشرات الشظايا في جسمه "
فتح الشقي " علي " عينيه على صوت نحيب أم بناته طالبا منها السكوت ؛ سألته متى أصبت ؟قال : أمس بشظية "هاون " استهدفت العربة التي كنت سائقها على جبهة المطار قالت : هل سأل عليك الرئيس ؟ ارتفعت ضحكته عالياً مصحوبة بوجع العملية القريبة جدا من القلب " ولم يجب "
تحدث الى نفسه دون أن ينضر هل هي مصغية أم لا " لم يزرني أي من قيادات الحراك الجنوبي - وانا دون منّ على شعبنا الجنوبي العظيم – من بدأ بمقارعة الاحتلال في حي السعادة قبل انطلاق ثورة الجنوب بأعوام " لم يكلف نفسه أي من قيادات المقاومة في خور مكسر بالاتصال والاطمئنان "
علي عوض شاب بدوي من أبناء " حي السعادة "حمل الحراك الجنوبي على عاتقه قبل انطلاقته ونذر نفسه للحراك الجنوبي يقضي الأيام مسافرا للمشاركة في فعالياته كلها يحط في أبين ومنها ينتقل الى يافع نزولا باتجاه الحبيلين والضالع فلحج وعدن ثم الصبيحة ولو وجد قاربا لشارك شباب حراك سقطرى الاحتفال بيوم الأسير .
" حين اندلعت حرب مارس 2015 م كان علي عوض المقاتل الوحيد في مدينة خور مكسر الذي يجيد قيادة دبابة جلبتها اللجان الى الحي وقد كانت متهالكة وقديمة الطراز وبحاجة الى صيانة " سأل علي رفاقه هل يستطيع أي منكم اطلاق قذائف الدبابة ؟ لا أجابوا
قادها البدوي وهو من كان يتولى تلقيم مدفعها بالقذائف وهو من يطلق النار ايضا واستمر يخوض غمار حرب شوارع وسط أحياء خور مكسر حتى سقوط المدينة بيد الحوثيين "
هربت الجماعة السلفية بمدينة خور مكسر " علي عوض " الى حي الشيخ عثمان وهناك واصل القتال معهم على جبهة سوزوكي " يؤدي ذات المهام الى أن اصيب بشظية قذيفة هاون سقطت وسط المدرعة قبل خروجه منها للغداء بلحظات نُقل عوض الى مشفى أطباء بلا حدود وأجريت له عملية خرج بعدها الى منزل أهل زوجته التي افاقت فجر اليوم الخامس لإصابته على اتصال منه يخبرها بأنه غادرهم الى الجبهة وعلى عربة " بي أم بي " قديمة روسية الصنع هذه المرّة شارك " علي عوض "بتلك العربة في معارك تحرير الحوطة بلحج والعشش وبعد تحرير العند "
لم يعد علي كما فعل الكثير من رفاقه ممن شاركوا في تحرير القاعدة الجويّة " الاستراتيجية " الى منازله وهو الذي لا زال نصف جسمه الأعلى مغطى بالشاش الأبيض ؛ واصل البدوي طريقه يقود عربة البي إن بي باتجاه مفرق العلم وخاض مع المقاومة هناك معارك تحرير أبين موقعا موقعاً وتوغل بالعربة الى مديرية لودر وصولا الى جبل ثره في مديرية مكيراس "شمال محافظة أبين "
وهناك بدأت جروح العملية التي لم تندمل بعد تسيل منها الدماء " يحكي " علي " بأن رفاقه ممن كانوا يركبون معه عربة البي إن بي ضلوا يجمعون الأسلحة والذخائر من الغنائم ويطلبون منه الحفاض عليها طوال الطريق فيما انشغل هو بالوقوف خلف المقود تارة وتارة يقوم بدور رامي الرشاش أعلى عربة البي إن بي "
عاد علي عوض الى منزله " كما دخله اوّل مرة خالي الوفاض وجيوبه كما تعرفها بناته لا تحوي سوى العملات المعدنية فئة العشرة والعشرين ريال يتسابقن لاغتنامها غير أن علي هذه المرة كان بلا قميص أصلا فقد غطت دماء جروحه النازفة ثيابه فنزعها عنه رفاقه "
تعافى علي عوض المناضل المقاتل من جروحه النازفة فترة ما بعد تحرير عدن وبقية مناطق الجنوب وضل رهين منزله الصغير شهورا رافضا كل دعوات أقاربه " بالمناطحة أمام بوابة معسكر التحالف كبقية شباب المقاومة أو البحث عن وسيط يوصله الى داخل قصر معاشيق ليحصل على راتب أو رتبة أو مكافأة أو منصب او حتى وضيفة يعيل منها أسرته " رفض علي كعادته قبض ثمن نضاله وهو لا زال يردد يـ "حود " التاريخ سيشهد ويدون ويفرز وهي لن تدوم لأحد " لم نناضل ونقاتل طمعا في الحصول على مقابل ؛ أو ليقال أننا أبطال وتُقدَّم لنا عبارات الشكر والثناء ناضلنا يـ "حود " لأننا ننتمي الى شعب عظيم يستحق التضحية "
وحتى اليوم لا زال علي عوض بلا راتب ولا رتبة وبلا سلاح أيضا فقد سلّم عربة البي إن بي لمعسكر الجيش بعد عودته الى عدن ؛ ومن كان يستجديه في أيام الوغى لنجدته في شوارع وأحياء عدن وخور مكسر والمنصورة والعند وابين ولودر من كبار قادة الجيش الوطني والمقاومة لم يكلف أي منهم نفسه باتصال على رقمه الذي كان لا يتوقف رنينه طيلة أيام الحرب .
باع أخوة علي منزل والدتهم ومنحوا "علي " ثمنه ليشتري سيارة يعمل عليها سائق أجره المهندس الشهير " بالموساد " صاحب ورشة إصلاح السيارات " أمر جميع عمال الورشة وأولاده من بعده بصيانة وإصلاح سيارة " علي عوض " مجانا طوال الحياة بوصية أبنه الشهيد رفيق " علي" في جبهة العند " هذا علي الذي تنكرت لتضحياته الشرعية والمقاومة والحراك وانصفه الموساد فسلام عليه "