على مدى العشر السنوات المنصرمة إقيمة أكثر من 20 مليونية جماهيرية تجاوز حضورها المليون نسمة، سجلتها مختلف القوى السياسية والمجتمعية الجنوبي، كانت جميعها تؤكد على أن شعب الجنوب، قد حسم خياراته على حتمية استعادة دولته المدنية المستقلة كاملة السيادة، وأن هذا الشعب العظيم الذي قدم التضحيات الجسام، وتحدى بأرادته النضالية السلمية، اعتا هيمنة وجبروت جيوش النظام القبائل المتخلف في الجمهورية العربية اليمنية، لقادر اليوم بثقة وجدارة على إدارة شؤون حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والدبوماسية، بل ولديه مقومات إقامة الدولة المدنية التى يتطلع لاستعادها، خصوصا في هذه المرحلة التاريخية التي أثبت فيها للرأي العام العربي والإقليمي والدولي، على مدى مشروعية مطالبه السياسية واستحقاقه القانوني في تحقيق كامل أهداف قضيته العادلة .
إن جميع الفعاليات السياسية والجماهيرية، وأهمها الفعاليات المليونية المتوالية، التي عبرت فيها الأرادة الشعبية الجنوبية خلال سنوات نضالها التحرري، منذ احتلال أراضيه في عام 1994م، وما ترتب عنها من انتهاك استبدادي لسيادته الوطنية، ومن الاستهتار لكرامته الإنسانية، لم تذهب نتائجها جفا كماء الزبد، ولم تكن عبثية كما يصنفها بعض من الحاقدون على عزيمة شعب الجنوب النضالية، ومن عصابات الموالون لنظام الاحتلال العفاشي والغزو الحوثي , ولكنها كانت عبارة عن رسائل سياسية بالغة المعاني والدلالات المباشرة وغير المباشرة، وجهتها الجماهير الجنوبية إلى الرأي العام الإقليمي والدولي فشكلت بذلك تراكمات من التأكيدات على مدى قوة الحق وثبات الموقف ومشروعية القضية، وهي وفقا لهذا التراكم: قد أعطت ثمارها وحققة مراميها وأبعادها الاستراتيجية، فكانت بحق مصدرا لإعجاب المراقبين والمتابعين العالميين، وعلى وجه التحديد المهتمون برصد وتحليل الأحداث وتحولاتها السياسية في واقع منطقة الشرق الأوسط , ومنها البلدان العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي.
كما أن تلك الفعاليات المليونية لمناضلي شعب الجنوب ، قد كانت باعثا حقيقيا لإقناع الهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، في تفهمها لمشروعية وعدالة مطالب الجنوبيين في تقرير مصيرهم وفك ارتباطهم من نظام الاحتلال اليمني المستبد , على اعتبار أن مضامين الأهداف السياسية لقضية شعب الجنوب، تتوافق تماما مع ما تتضمنه نصوص القانون الدولي، ومع وثائق التشريعات التى بموجبها تأسست هيئة الأمم المتحدة عام 1945م، المعنية في حماية حقوق وحرية شعوب بلدان العالم، ومنها على وجه الخصوص البلدان التي يناضل أبنائها في سبيل تحرير أرضهم المحتلة من هيمنة وجبروت الاستعمار الداخلي والخارجي.
وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن فعالية الحشد الشعبي لمليونية 7_ 7_ 2017م التي أقيمة في شارع الشهيد مدرم بمدينة المعلا بالعاصمة الجنوبية عدن، قد كانت بحسب أعتقادي بمثابة " الضربة القاضية" لكل مراكز القوى اليمنية، التي كانت وما زالت تراهن على أن بإمكانها احتواء وإجهاض قضية شعب الجنوب، بواسطة استخدام مختلف الأساليب ومن أهمها وأخطرها استخدام رئيسهم الجنوبي عبد ربه منصور هادي، ورئيس وزراء حكومته الفاسدة أحمد عبيد بن دغر، بحيث تكون مهمة الأول هي: أصدار القرارات الجمهورية في التعيين للمحافظين والقادة العسكريين في المحافظات الجنوبية، وفي الوقت نفسه استخدام قرارات عزلهم أن كانت مواقفهم السياسية مؤمنة بأهداف قضية شعب الجنوب التحررية، واستبدالهم بمن تتوافر فيهم سلوكيات العمل عكس ذلك .
بينما تكون مهمة الثاني هي: أفتعال الأزمات المالية المتمثلة في حرمان موظفي القطاعين المدني والعسكري من دفع رواتبهم ومعاشاتهم المستحقة بصورة منتظمة شهريا , بالإضافة إلى معاقبة عامة السكان الأبرياء وتعذيبهم بتفاقم حدة الاختناقات التموينية للنفط ومشتقاته، وكذا الاشراف المباشر على مركزية التحكم بتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية واستخدامها كوسيلة ابتزاز لمصادر الدعم المالي لدول التحالف والدول المانحة، والتوجيه بخفض ساعات التشغيل وزيادة ساعات الانطفاء، في حالة الرفض الشعبي لهيمنة فساد حكومة الشرعية، وعدم القبول بسياستها الاحتوائية الموجهة من قبل نظام التحالف الحوثي العفاشي بصنعاء، للتخلص من قوى الحراك السلمي الجنوبي وقيادات المقاومة الجنوبية !!؟؟.
لذلك يمكننا وصف مليونية الحشد الجماهيري في شارع الشهيد مدرم بمليونية (الضربة القاضية) التي توجت بها هيئة رئاسة المجلس السياسي الانتقالي مشروعية امتلاكها القرار السيادي لمثيل قضية شعب الجنوب داخليا وخارجيا، من خلال التفويض الشعبي لمليونية إعلان عدن التاريخي في 4 مايو 2017م، والبدأ بمهام ذلك التفويض بانعقاد اول دورات المجلس وانتظام أعماله وتشكيل هيئاته العاملة، التي بها وضع المجلس حجر الأساس لمهامه المستقبلية .
وخلاصة التدليل على معاني ( الضربة القاضية) هي ما جاء في كلمة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المناضل اللواء عيدروس الزبيدي، التي القاها في مهرجان مليونية
شارع الشهيد مدرم بالمعلا وبالذات الفقرة الأولى من ذلك البيان التاريخي الهام.
(( نحمل الحكومة مسؤوليتها القانونية والأخلاقية إزاء العبث بحياة المواطنين وحرمانهم من الخدمات الأساسية، وفشلها المخزي والذريع في ذلك. وأننا في المجلس الانتقالي الجنوبي، وانطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية امام شعبنا لن نستمر في الصمت إزاء هذا الوضع المأساوي، ولن نسمح بتدهور الأوضاع وانفلات الأمن , بل سيتدخل المجلس لتحمل مسؤوليته لتأمين الجنوب وإدارته ؟؟.
وبرغم الثقة المطلقة لجماهير شعب الجنوب بمصداقية ما وعدت به قيادة المجلس الانتقالي، الذي منحته تفويضها الكامل لتمثيل قضيتها السياسية داخليا وخارجيا , إلا أن تنفيذ ذلك الوعد مرهون أولا وأخيرا بمدى الدعم السياسي واللوجستي والمعنوي والمالي والاقتصادي للمجلس الانتقالي دون سواه، من قبل اشقائنا الكرام والأوفياء في دول التحالف العربي وبالذات المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة، وسائر دول العالم المحبة للحرية والأمن والسلام , ليتمكن المجلس من تحقيق الأهداف الاستراتيجية لدول التحالف العربي وشعب الجنوب حاضرا ومستقبلا.. وهذا ما نأمله ونتمناه بمشيئة الله.