الجنوب ونظرية الصدمة

2017-07-03 00:23

 

تمهيد:

تقوم نظرية الصدمة او عقيدة الصدمة على فكرة أن: "الأزمات تجعل ما هو مستحيل حدوثه سياسياً، أمراً لا مفرّ منه أو قابل للتحقيق فى ظل أزمة عاصفة"، وذلك من خلال الاستغلال الأقصى لاي صدمة تتعرض لها الشعوب، سواء بفعل الكوارث الطبيعية  كالزلازل والإعاصير، أو الكوراث المفتعلة كالإنقلابات العسكرية او الحروب، بهدف تمرير سياسات إقتصادية وإجتماعية مرفوضة في الحالة الطبيعية. وقد يدأ تطبيق نظرية الصدمة منذ خمسينات القرن الماضي في عدة دول، في كلاً من اندونسيا وتشيلي والارجنتين والبرازيل وروسيا والعراق.

 

ويمر الجنوب حالياً بمنعطف خطير جداً، يهدد مستقبله التاريخي والحضاري والسياسي والاقتصادي والإجتماعي، حيث يواجه مخططات وضغوطات خارجية ممنهجة وأزمات وتحديات داخلية مفتعله، غرضها سلب إرادة الجنوبيين وأحاسيسهم وإدراكهم، وجعلهم عاجزين عن الفعل أو حتى الرد، وذلك حتى يقبلوا في نهاية المطاف بحلولاً خارجية متمثلة بمشاريع جاهزة ومعدة مسبقاً، لإعتقادهم انها ستنقذ الجنوب من الكارثة، حيث تسود الجنوب فوضى سياسية وعدم إستقرار وإنهيار أمني وفوضى مسلحة وصراع مناطقي، وللاسف الشديد تسعى أطراف داخلية وخارجية لإيصال الوضع الى صدام مسلح داخليا بين الجنوبيين من اجل السلطة والنفوذ. فهل يدرك الجنوبيين خطورت ذلك؟

 

فبعد مرور عامين على دحر القوات العسكرية اليمنية الغازية الموالية لصالح والحوثي من أرض الجنوب، سنلاحظ أن المحافظات الجنوبية المحررة مازالت تواجه أزمات ومشكلات أمنية وإقتصادية وسياسية وإجتماعية وخدماتية، وجل تلك الأزمات والمشكلات تصب نحو الفوضى السياسية وتأجيج الوضع وخلق حالة من عدم الرضى والاستياء العام عند أبناء الجنوب. فنحن اليوم أمام أزمة حقيقية وفوضى عارمة في جميع الاصعدة في الجنوب، وبحسب الدراسات العلمية تتمثل تلك الأزمات والمشكلات في التالي:

 

- إنعدام الأمن والإستقرار والطمأنينة.

- إرتفاع نسبة الجريمة و السطو المسلح.

- تفشي الفقر وارتفاع نسبة البطالة.

- الاغتيالات وتصفية الحسابات القديمة بين الجماعات والأفراد.

- إنتشار الفساد في الجهاز الإداري والسياسي والتهريب والنهب والبسط في ظل غياب سلطة وقوة القانون (حيث ينظر بعض المسؤولين لمناصبهم على أنه مصدر لإثرائهم).

- إغلاق المحاكم ووغياب الأجهزة والأمنية ادى الى الانفلات الأمني وإتساع سطوة المليشيات المسلحة والبلاطجة.

- غياب الرقابة والمساءلة الشعبية (أدى الى إنخفاض مستوى التعليم والرعاية الصحية)

- تأثر حياة الفرد نتيجة تدهور البنية الأساسية اللازمة للتنمية من الطرق والجسور وموارد المياه والصرف الصحي والشبكات الكهربائية والاتصالات.

- نقص في الغذاء والدواء والكساء والمشتقات النفطية (كماً ونوعاً)، والاعتماد على المساعدات الخارجية، مما أدى الى إتفاع الأسعار وندرة المواد والسلع الاساسية.

- توقف عجلة الإنتاج.

- تدهور قيمة العملة مقابل الدولار.

- النزوح السكاني وإنتشار الأوبئة.

- تغذية النَزاعات و الإختلافات بين الاطراف السياسية من قبل الأعداء وأصحاب المصالح.

 

وعندما يغيب الوعي لدى ابناء الجنوب ويعجزوا عن فهم وإدراك ما يدور حولهم من مؤامرات، ولا يلوح لهم في الافق اي حل آخر، باعتبار ان الوضع الراهن في اليمن لا وحدة قائمة والانفصال آت، وفي هذه اللحظة وعند فقدان الأمل سيتم تطبيق نظرية الصدمة على الجنوب عن طريق عرض المشاريع الجاهزة والمعدة سلفاً، والمتمثلة في دولة اتحادية من سته أقاليم كحل ممنهج وواضح وعملي، من شأنه إنقاذ اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص من الكارثة - وذلك حسب من يروّج له أصحاب المشروع.  

 

وفي قراءة سريعة للاهداف المتوقعة والتي دفعت ببعض الدول للسعى لتطبيق نظرية الصدمة على الجنوب ومحاولة التدخل في شؤونه الداخلية، حيث يمكننا إيجارها بالتالي:

 

1- سياسياً: التاثير على سياسات الجنوب المستقبلية بما يتلائم مع سياسة ومصالح تلك الدول.

2- جغرافياً: السيطرة على باب المندب لما يمتاز به من موقع جيوسياسي، حيث يعد منفذاً بحرياً هاماً يربط قارة آسيا بقارتي أفريقيا واوروبا عبر البحر الابيض المتوسط، ويدخل في حسابات الدول الكـبرى، لما له مـن أهميّة استراتيجيّة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي.

3- إقتصادياً: التحكم بالثروات الجنوب الطبيعية، وذلك  لما يتمتّع به الجنوب من غِـنى موارده الطبيعيّة وعلى رأسها النفط والغاز.

4- تاريخياً: ضمان عدم عودة النظام السابق وذلك بسبب المواقف السياسية التي تبنتها القيادة السياسية في الجنوب في الماضي والمعادية للدول الإقليمية والدولية.

 

أن وجود هذه العراقيل والعقبات والمشاكل تؤكد انه ما زال هناك طريق شاق جدا أمام الجنوبيين يجب عليهم قطعه قبل أن يتمكنوا من تحقيق هدفهم المنشود في الحريّة والكرامة الانسانية وأقامة دولة الجنوب الجديدة الفدرالية المستقلة، ويحتم عليهم فهم قواعد اللعبة السياسية وما تتطلبه المرحلة الراهنة، وتوحيد الصف الجنوبي على اساس وطني يجسد مشروع سياسياً حقيقياً بعيداً عن المزايدات والشعارات والاستقطابات، مع أخذ العبرة والاستفادة من دروس وتجارب الماضي، والعمل على بناء الثقة مع الدول الأقليمية والدولية من خلال إزالة آثار الماضي السلبية والتعامل مع التحالف العربي كشركاء، ونقول انه وبدون مراجعة حقيقية لتجربتنا التاريخية - من قبل العقلاء المخلصين – سيتم فرض الحلول الخارجية وسنظل ندور في حلقة مفرغة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

 

1 يوليو 2017