تأثرت كثيراً لمقتل البطل المغوار اللواء احمد سيف المحرمي اليافعي ، صاحب التاريخ العسكري والنضالي الطويل الذي اختتمه بأحرف من دمه الزكي في ميدان الشرف والبطولة .
اللواء المحرمي من القادة العسكريين الذين أعجبت بهم في حياتي ، ولهذا كنت احرص على متابعة أحاديثه ومقابلاته وصوره عبر وسائل الإعلام .. رجلٌ كان يثق في نفسه كثيراً .. يردُ بكل هدوء على الأسئلة دون تشنج أو تصنع او كذب .. كان يمتلك حضور ذهني عالي التركيز خاصة عندما يتحدث بكلمات قليلة تقنعك برأيه ، وتجعلك تفكر أكثر وتتساءل .. هل هذا قائد عسكري فذ ، أم سياسي محنك أو انه خبير ضليع في علم النفس ؟! لكنني على يقين بأنه (رحمة الله عليه) كان يجمع بين المجالات الثلاثة من خلال استخدامه للمنطق العلمي السليم في التعاطي من الأمور الهامة المتعلقة بعمله .. بالإضافة إلى ما سبق ، كان اللواء احمد سيف يمتلك شخصية كاريزميّة جذابة ومتواضعة ، جعلته محبوباً عند كل من يعرفه .
للأسف الشديد إنني التقيته مرة واحدة فقط في نهاية يوليو من العام الماضي خلال فعالية عقدت في قاعة البتراء بخور مكسر ، تصافحنا وتحدثنا قليلاً في أمور عامة وشد على كتفي مرحباً بي في مكتبه او بيته في أي وقت أريد .. مر الوقت وعصفت بنا ظروف الحياة الصعبة في عدن ـ الكهرباء وتوقف الرواتب وانعدمت المحروقات ـ وتبلدت عقولنا عازفة عن التفكير بكل شيء جميل ومفيد .
صباح الأربعاء الْمَشْؤوم تلقيت نبأ استشهاده .. كنتُ في البداية غير مصدق ومنتظر جهة رسمية تكذب الخبر .. وعندما تأكد الخبر ، كثرت وتضاربت الروايات حول مقتله .. ظللت يومي كله متابعاً للأخبار .. اقرأ بحزن كل ما يصلني من المنشورات والصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
خرجت باستنتاج مفاده أن الرجل قد غُدِرَ به لامحالة ! وان حكاية الصاروخ الحراري الذي أصاب خيمة المحرمي هي فرضية غير دقيقة البَتَّةَ ، باعتبار إن ما يسمى بالصواريخ الحرارية هي في الواقع مخصصة لضرب الأهداف المتحركة مثل الطائرات والمدرعات والآليات الأخرى حيث يتوجّه بالأشعة تحت الحمراء صوب حرارة محركاتها ، ومنها الصاروخ الروسي "كورنيت" الذي يحمل رأس تفجيري زنة سبعة كيلوجرام تي إن تي .
بحسب رواية الصحفي ياسر اليافعي ـ التي اتفق معها ـ ان " اللواء احمد سيف كان نائماً على الأرض بجانب سيارته وأطقم الحراسة منتشرة بالقرب منه " طبعاً لا يعقل بان قائد محنك مثله ينام كل ليلة في ميدان الحرب داخل خيمة تكون هدف سهل اصطياده .. من المنطقي انه كان ينام في مواقع مفتوحة متغيرة يختارها بنفسه .. وهذا يسقط فرضية الصاروخ الحراري والخيمة .
من خلال التدقيق في الصور سنرى حجم الحفرة الكبيرة التي أحدثها الانفجار وحجم الدمار الذي لحق بالسيارتين وتهشم أبوابها بسبب الضغط الشديد دون ان تحترق وهذا يدل على أن الانفجار كان شديداً جداً وعلى بعد أكثر من خمسة متر، ويرجح أن يكون بسبب سقوط صاروخ إيراني متوسط المدى أطلق وفق إحداثيات زمانية ومكانية مضبوطة تحصل عليها الانقلابيون من مصدر خائن كان يراقب الهدف وغدر به في منامه .
رحم الله فقيدنا الشهيد البطل اللواء احمد سيف المحرمي اليافعي واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء . إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون.
*- أحمد محمود السلامي