الإمارات و السعودية : التضحية من أجل الوطن

يظن البعض أن التضحية من أجل الوطن غالباً ما تكون بالنفس فقط وداخل حدود الوطن تحديداً من خلال الدفاع عنه أمام المخاطر الأمنية و العسكرية المعتدية ولا أحد ينكر أن التضحية بالنفس أسمى أنواع التضحيات على الإطلاق ، ولكن الوطن اليوم بحاجة ماسة أيضاً لتضحيات من نوع أخر وعلى كافة المستويات و الأصعدة ومن جميع أبنائه دون إستثناء أكانت التضحيات داخلية أم خارجية ، الجندي يضحي بنفسه الغالية أكان ذلك داخل أم خارجه وطنه وهذا شرف كبير له و للوطن الذي ينتمي إليه وكذلك الطبيب و المهندس و المعلم وغيرهم كلاٌ في مجاله يضحي بأمانة وبصدق و بتفاني من أجل عزة و رفعة شعبه ووطنه .

إنها الاوطان لمن لا يعرف المعنى الحقيقي للوطن ، الوطن يحتاج أن نقدم من أجل سلامته و الحفاظ عليه أغلى الأثمان ، عندما تشاهد الإماراتيين و السعوديين جنود و مدنيين و هلال أحمر وغيرهم منتشرين في بقاع كثيرة من العالم فأعلم أنهم يضحون من أجل وطنهم و لرفعته والذود عنه من المخاطر الآتية من وراء البحار و أعالي الجبال و الضربات الاستباقية التي يقومون بها أفضل بكثير من العمليات الجراحية الداخلية المحفوفة بالمخاطر و المشكوكة النتائج و العواقب .

خير وسيلة للدفاع الهجوم مصطلح عسكري صحيح و سليم 100% و أقرب وسيلة للهزيمة هو التفرق و التفرقة بين أبناء الوطن الواحد و التخاذل و الخيانة و التنازع و الانتهازية و الأنانية المفرطة وحب السلطة بجنون ، حتى لو إنتصرت عسكرياً على عدوك في وطنك فسيكون الثمن الذي ستقدمه غالي جداً أكان ذلك في الأرواح أو العتاد أو البنية التحتية وذلك بسبب نقل المعركة لداخل وطنك وجعله ساحة حرب يحرق فيه الأخضر و اليابس ، ناهيك عن الاثار النفسية على الشعب التي ستكون سيئة جداً وصعب تجاوزها أو نسيانها إلا بعد عقود طويلة من الزمن و كذلك تعرض الشعب للتشريد و الجوع و الخوف و الإذلال ، الكل سيدفع ذلك الثمن الباهظ جداً دون إستثناء جنود وشعب و أرض كما هو الحاصل في اليمن أو العراق أو سوريا أو ليبيا وغيرها من مناطق الحروب و النزاع المسلح العنيف .

هنيئاً للشعب الاماراتي و السعودي قيادته الحكيمة الرشيدة التي قدرت حجم الكارثة و المخاطر القادمة إليهم فقررت قيادات تلك الدول الدخول في الحرب الاستباقية دون إشعار أو إذن مسبق من أحد و دون تردد أو خوف من عواقب تلك الخطوة الجريئة الشجاعة التي لا يعلم نتائجها سوى الله وحده وهي نتائج كانت إيجابية بفضل الله ورعايته ، و أعلموا أن تلك التضحيات التي يقدمها السعوديون و الإماراتيون بالخصوص هي لنصرة أشقائهم و الحفاظ على وطنهم سليم معافى من التحديات الخطيرة التي تمر بها المنطقة وما الضير أن تلتقي مصالحنا مع مصالحهم .

آن الأوان للاعتماد على النفس و على القدرات الذاتية البشرية و العسكرية حتى لو كانت محدودة فالنصر من عند الله أولاً و أخيراً ، وكما نشاهد اليوم دول عظمى لم تستطيع حسم معركة أو الانتصار فيها أكان ذلك في فيتنام أم أفغانستان أم العراق و غيرها ، الآلات العسكرية الحديثة و الفتاكة و العدد الهائل لأفراد الجيوش صاروا اليوم لا يصنعون النصر المؤزر الأكيد لو لم يكن هناك رجال يضحون بأرواحهم و يحبون وطنهم ويمتلكون عزيمة و صلابة كصلابة الجبال ، بأولئك الرجال فقط تُحمى و تُصان الاوطان .

يجب أن نصحح تلك المفاهيم و الأفكار و المعلومات المغلوطة و الخاطئة التي قد عفى عنها الزمن منذ أمد بعيد وتم تجاوزها ، و أنكشف لنا اليوم ضعف الدول العظمى بسبب الأحداث و الحروب و الأزمات المتسارعة المتلاحقة المتباعدة جغرافياً والتي لم يخطط أو يتنبئ بقدومها أو حدوثها كبار المحللين العسكريين و السياسيين و المفكرين و القادة و الساسة في العالم .

إنها السياسة لا عداوة دائمة ولا صداقة أبدية المصالح فقط هي من تحدد نوعية العلاقة بين الدول و خصوصاً بين الدول الكبرى و الصغرى ، إننا نعيش في مرحلة جديدة و فصل جديد من العلاقات الإقليمية و الدولية أفرزها واقع الصراعات و الأزمات و الحروب الكبيرة التي تمر بها دول عديدة في عالمنا الراهن ، و تلك الصراعات أظهرت ضعف و محدودية قدرات و إمكانيات تلك الدول الكبرى أمام نشوب صراعات على نطاق واسع في العالم و قد بُنيّت إستراتيجيتها على أساس الصراعات المحدودة و المحصورة في نطاق جغرافي صغير ، أشبه وضع الدول الكبرى من مجريات الأحداث و الحروب و الأزمات بعملاق يواجه ذئب منفرد فيظهر و يستعرض ذلك العملاق قوته و جبروته ولكن إن واجه أعداد كبيرة من الذئاب حينها فقط سيظهر ذلك العملاق بمظهره الحقيقي الضعيف و المستسلم المهزوم ، الولايات المتحدة الامريكية و روسيا و فرنسا وغيرها ظهرت على حقيقتها اليوم و ظهر حجمها الطبيعي وكانت ردات فعلها تجاه الاحداث و الأزمات و الحروب متأخرة جداً و متخبطة أكان ذلك بسبب مخاوفها أو جهلها مما يحدث و كيف حدث و على ماذا سينتهي ، أو لعدم إستيعابها من تزعم أو قاد أو أشعل تلك الحروب و الأزمات في دول العالم وماهي توجهاته ، ظهر ذلك العيب القاتل في الدول العظمى واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار من خلال محدودية تدخلاتها العسكرية و السياسية في تلك الأزمات و الحروب وضعف ونقص في العمليات و المعلومات الاستخباراتية وكانت النتيجة سرعة البحث عن التسويات السياسية للخروج من مستنقع تلك الحروب و الأزمات الذي سيدمر إقتصادها المنهك و سيظهر للعالم حجم ذلك الكذب و الخداع الذي كانت تسوقه ألتها الإعلامية الضخمة بتزييف الحقائق عن قدراتها العسكرية و الاقتصادية التي لا تقهر ولا تنهار كما كانوا يدّعون سابقاً ، اليوم ظهرت حقيقة تلك الدول العظمى و أصبحت لا تحتاج إلا لأزمات أو لحروب تقليدية غير متكافئة من ناحية العدد و العدة لتسقط تلك الدول و تنهار بصورة دراماتيكية غير متوقعة مثل سقوط الاتحاد السوفيتي بداية تسعينيات القرن الماضي وكان بسبب غزوه لأفغانستان وكذلك الهزيمة المذلة للتحالف العالمي بقيادة أمريكا في أفغانستان .