أيها أفضل قانون القبيلة .. أم الحرب باسم الوحدة :

2016-05-27 17:08

 

قد يقول قائل : إنني أسعى إلى تكريس أفكار قبلية بالية أو أمجاد خالية أكل عليها الدهر وشرب .. ولكنني أرد بالقول لا والله ليس هذا القصد.. ولكن الموضوع الذي اطرحه يهدف إلى إجراء مقارنة .. ولا مقارنة أصلا بين ما يجري اليوم من سفك للدماء من قبل دعاة الوحدة المزعومة ..! أو الدواعش ومن على شاكلتهم الذين يرفعون الشعارات باسم الدين تارة ، وباسم الوحدة تارة أخرى ، الخ .. من الشعارات الطنانة والوعود الكاذبة ويدعون أنهم بناة مستقبل اليمن ووحدته وهم يدمرونه بأيديهم !!

هؤلاء المجرمون الذين يدعون الوطنية والبعض منهم قادة أحزاب وعسكر ومليشيات وأصحاب نفوذ ومصالح .. وزعامات وهمية اتخذوا من أحلام البسطاء شعاراً لهم يقتلونهم ويسفكون دمائهم وهم في حقيقة الأمر ليسوا سوى قتلة ..

وسفاحون خسروا الدنيا والآخرة بأعمالهم البشعة .. ولا مقارنة بين العيب في القبيلة بالأمس وما يقترفه هؤلاء المجرمون اليوم ..!

 

وقانون القبيلة ليس قانوناً مكتوباً .. ولكننا أسميناه مجازاً بهذا الاسم لتوضيح الفكرة ..! وهو في السلوك اليومي للفرد والجماعة متعارف عليه لدى قبائل الجزيرة العربية منذ العصر الجاهلي .. الذي سنت فيه تقاليدها وعاداتها في السلم والحرب قبل دخول الإسلام الذي حمل مشاعل النور والهداية، فهذب طباعها وأدخل الإيمان في قلوب أبنائها فأصبحوا هداة مهتدين للحق وعلى الصراط المستقيم ..!

 

إن القبيلة العربية لازالت حتى عهد قريب تأبى نقض العهود أو التفريط في تقاليدها التي نشأت وجبلت عليها منذ عهد الأقيال.. فقانون العيب لدى القبيلة يتجسد في ممارسات لا تقبلها وتستنكرها وتعاقب من يقوم باختراقها نورد بعض الأمثلة على ذلك :

 

1- تأمين عابر السبيل :

يأتي ذلك ضمن قانون ما يعرف ب "السيارة " وهو السير والمرافقة مع عابر السبيل سواء كان لديه عروضاً من التجارة أو بنفسه وماله فله الوجه والأمان من أي شخص من أفراد القبيلة أن يسير بأمان معه ويظل في وجهه حتى يعبر به أراضي قبيلته إلى أن يجتاز حدودها إلى قبيلة أخرى ولا يمكن أن يتعرض للغدر أو المكر سواء من مرافقه أو من آخرين طالما ظل في الوجه حتى من أصغر رجل في القبيلة حتى يبلغ مأمنه أو يسلمه إلى شخص وقبيلة أخرى ليكمل طريقه .

2- معاقبة المخطئ :

غالباً ما تنشأ النزاعات على المياه والمراعي والحدود بين القبائل العربية المتجاورة وإذا اشتد النزاع فيما بينها ترفع إلى المراجع الرئيسية للقبائل المتنازعة للفصل فيها والاحتكام القبلي وتحكم على الطرف المخطئ بما تراه مناسباً من عقاب مادي أو معنوي ، بما في ذلك تسليم القاتل ويعرف  بقانون " العيب والنقاء" أي تنقية وجه القبيلة من الخطأ والغدر والعيب أو الاستعداد للحرب إذا رفضت تسليمه !!

3- عدم الإسراف في القتل :

ومن قوانين القبيلة العربية في زمن الفرسان عدم الإسراف في قتل بعضهم البعض والرأفة والرحمة وعدم سفك الدماء خلال الاشتباكات القبلية .. والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها إذا اشتد القتال واقترب المتحاربون من بعضهم البعض يتركون أسلحتهم النارية القديمة ويتراجمون بالحجارة رأفة ورحمة ببعضهم البعض وحرصاً على عدم إزهاق الأرواح ثم تذهب كل قبيلة إلى مرابعها وينتهي الاشتباك ، بل يصل الأمر أحياناً ببعض القبائل المتحاربة أن يرسل شيوخها الذخيرة للقبيلة الأخرى إذا نفذت منهم ، وقد يقول البعض : كيف ينصر الشيخ أعدائه على قبيلته ؟ وأقول أنه يعلم وهو حكيم القبيلة أن هناك فرسان في القبيلة المضادة لن يستخدموها في قتل خصومهم .. وهذا هو نبل الفرسان !!

 

4- الوفاء بالعهد :

حدث ذات مرة أن ذهب نخبة من كبار قبيلة " معن " العولقية بزعامة شيخهم وكبيرهم الشيخ " محسن بن فريد بن ناصر" إلى مضارب قبيلة أخرى للإصلاح بينهم في قضية نزاع طالت لعدة سنين وقد زارهم الشيخ من قبل ذلك وأبدى لهم بعض أحكامه فوافق طرف ورفض آخر الحكم .. ثم ذهب الشيخ مرة أخرى مع كبار القبيلة ومعه إخوته إليهم .. واستضافوهم ليلاً في مضاربهم وبعد العشاء بدأ الحديث حول الإصلاح إلا أن أحد الأطراف رفض حكم الشيخ رفضاً قاطعاً .. فعمد الشيخ إلى وسيلة "الجاه" فقام من مكانه وخلع شاله من على كتفيه ثم وضعه على أكتاف الرجل الذي رفض حكمه ... وهذا أكبر جاه لدى شيخ القبيلة ومن العيب أن يرده ..!

ولكن الطرف الآخر أعاد شال الشيخ ولم يقدره !!

وهنا استشاط أحد أخوة الشيخ غضباً وقال للرجل : أتعرف شال من هذا يا رجل ؟ انه شال الشيخ محسن بن فريد الذي يسرح العوالق ويروحها ؟ وترد جاهه .. والله وبالله إن لم تحتكم في فعلك وتصرفك هذا وتدخل" المربعة " وهي دار الضيافة في ذلك الزمان لآل فريد شيوخ العوالق ..

فرد عليه الرجل بحدة : أنا قروني كبيرة وما تلطف تدخل من باب المربعة ..!!

فتلفت القوم المرافقون للشيخ لبعضهم البعض وكانوا لا يريدون أن تصل الأمور بينهم وبين طرف من أصحاب القضية إلى هذا الحد من الكلام والتصعيد اللفظي خاصة وهدفهم هو الإصلاح بين المتخاصمين ثم عزموا على مغادرة مضارب القبيلة وعادوا برفقة شيخهم إلى ديارهم ..!!

وفي الليلة التالية اجتمعوا وتشاوروا فيما بينهم واجمعوا على الوفاء بما قال أخيهم والإحتكام في رفض شال الشيخ محسن بن فريد !!

وفعلاً تم ذلك بعد أن أرسلوا مجموعة من رجالهم وغزوا مرابع  تلك القبيلة وأحضروا" 3" جمال  لذلك الرجل الذي رفض الحكم .. إلى ديار الشيخ محسن بن فريد وعندما علموا أصحاب الجمال المختطفة لجأوا إلى شيخ قبلي مجاور يستنجدون به لاستعادة جمالهم فرفض توسلهم .. ثم رضخوا للواقع وتوجهوا إلى دار الضيافة " المربعة " وعندما وصلوا أطلقوا عدة عيارات نارية إعلاناً بوصولهم .. فرحب بهم الشيخ واخوانه واستضافوهم وأكرموهم ثم طلبوا من شقيقهم الذي صدر منه الكلام سابقاً وتوعدهم بالاحتكام في شال الشيخ أن لا يتكلم ويكفي حضورهم إلى المربعة .. ولكنه أثناء السمر والحديث لم يستطع أن يكتم ما في صدره فقال : يا فلان وسماه .. أين أنت الليلة ؟

فرد عليه بالقول : في المربعة ..!

فقال له : لطفت قرونك تدخل المربعة ؟!!

فرد عليه : المربعة تدخلها سادة ودولة ومشايخ وقبائل وأنا منهم ..!!

ثم حكم الشيخ وقبلوا حكمه وأعادوا الجمال وتم الصلح فيما بينهم ..

وأنا هنا لا أريد التمييز أو الفخر أو التكريس للقبيلة وأحكامها .. ولكني أوردت هذه الأمثلة لأبين للقارئ الكريم أن القبائل العربية ظلت ولازال البعض منها يحتفظ بالنبل والشيم والأصالة والتراحم والإصلاح والتهذيب لبعضها البعض وتقويم المخطئ والمعوج من أبنائها !!

 

أوردت هذه الأمثلة البسيطة لنوضح كيف وصل بنا الحال عندما تخلينا عن أخلاق الفرسان والنبلاء في ذلك الزمان .. وانتشر لدينا القتل بالأحزمة الناسفة باسم الإسلام وما يسمى بحرب المرتدين والفتاوى الباطلة .. وقطع الطرقات ونهب المسافرين الآمنين وسفك دمائهم في الأسواق والقرى والاستيلاء على أموالهم وسياراتهم دون وجه حق أعتقاداً منهم أن ذلك من الرجولة و الشجاعة وما هو إلا خسة ونذالة ، وما يجري اليوم من قتل للناس بالدبابات والأسلحة الثقيلة في المدن والقرى اليمنية كما حدث في عدن ولحج والضالع وشبوة بما في ذلك نسف البيوت انتقاماً من المعارضين لهم كما فعل الحوثيون ويفعلون اليوم في تعز ومأرب وغيرها من مدن اليمن ما هي إلا أفعالأً خسيسة من عصور الغاب ولا مجال للمقارنة بين ما يحدث اليوم منهم  وأخلاق القبيلة وفرسانها بالأمس القريب !!

 

وأصبحت الدماء والأرواح رخيصة لديهم ويقتلون الناس بالمئات بوسائل الغدر والمكر وباسم الإسلام حيناً وباسم الوحدة المزعومة حيناً آخر ، وهم كاذبون مخادعون .. وهم يقتلون الناس من أجل مناصبهم ومصالحهم والسيطرة على البلاد والعباد بالغدر والمكر والقتل !!

 

بالله عليكم أليس قانون القبيلة وأخلاق فرسانها أرحم من قانون الغاب والهمجية الذي يمارسه طغاة العصر .... وتحت شعارات ومسميات كاذبة ..؟