على مدى نصف قرن طنطن الرفاق بحلم الوحدة اليمنية وألّفوا لها ميئات القصائد العصماء وغير العصماء وسلخوا وطنا وشعبا من هويته وألحقوه بهوية يمنهم في ليلة عمياء لم يرى له نورا يسطع وتحقق حلمهم بعد مرور الموكب في نفق القلوعة المظلم، فالتقط صاحب النهدين الفرصة التاريخية التي تهيأت له بقدرة قادر بعد أن أعاد عليهم مشهد جدار برلين وهو يتهاوى ومشهد الرفيق تشاوشيسكو وهو يلاحق من الجماهير حتى تم إلقاء القبض عليه وقتله ، وقطعا لم يغب عن المنظر حطام أرتال الدبابات السوفيتية المتناثرة في جبال وأودية أفغانستان وجنود الجيش البلشفي تغادر كسيرة مهزومة والرفيق جورباتشوف ينظِّر في البيروستريكا بعد أن كفر بعقيدة لينين وماركس فما كان منهم إلا الهروب إلى باب اليمن لالتقاط الأنفاس وتحقيق الحلم القديم فكانت الوحدة الاندماجية السريعة ( بيعة ما حضرها دلاّل)
ومرّت الأيام وتلذذ الرفاق وبنوهم ببنت الصحن الصنعانية واستمتعوا ببرودة الأجواء الممطرة في جو صنعاء الصيفي الجميل وبدأ ينفتحون على عالم آخر لم يكونوا يدركون قربه نتيجة الستار الحديدي الذي وضعوا أنفسهم وشعبهم فيه ، وشعروا أنهم ضيعوا فرصا بالإمكان تعويضها وشعروا أن البيعة وقع فيها ظلم وغبن لهم وليس لشعبهم فهذا آخر ما يتم التفكير فيه ولكن لا باس من استخدامه مطية للركوب فبدأت الأزمات السياسية الواحدة تلو الأخرى حتى أيقنوا أنهم بين كماشة يصعب الفكاك منها فكانت حرب صيف 1994 نهاية للفصل الأول بعد أن تم اجتياح الجنوب تحت مسمى الشرعية ومطاردة فلول الانفصاليين وهنا بقي شعب الجنوب متفرجا وهو يرى جحافل قوات النظام اليمني المتحالفة مع فصيل جنوبي آخر تصول وتجول في أرضه ورأى القيادات الهزيلة وهي تلتحق بمهاجرها وتسلك الطرق التي حددها لها صاحب النهدين ، وظهر على السطح رجل المعركة وقائدها عبدربه منصور الذي تم ترقيته إلى التهميش الطويل كنائب للرئيس وكممثل لشرعية الجنوب في الوحدة التي عمدوها بالدم الجنوبي المستباح وعمدوها باستباحة كل شيء في الجنوب وبقي أبو جلال مركونا في ظل مسمّى النائب حتى مطلع العام 2012م بعد أن تم احتواء الثورة الشبابية وتحويلها إلى أزمة سياسية رضيت بمبادرة تقاسم السلطة بين الفرقاء وحتى لا يضيع الجنوب وثرواته من بين أيديهم وحتى تبقى شرعية الوحدة الواهية الأوهى من بيت العنكبوت تم الاستعانة وعلى مضض بابن منصور الجنوبي كرئيس توافقي للمرحلة الانتقالية لأن ثقافة القوم لا تقبل برئيس من خارج البيت الزيدي مذهبا ومن خارج النطاق الجغرافي المحيط بالنهدين ولكن للضرورة أحكامها فالضرورات تبيح المحظورات ،
مالك النهدين الشرعي تم تحصينه ومن معه وحرّم على نفسه الخروج من البلد وبتحدي صارخ وأخذ يدير العملية السياسية بدهاء خارق كعادته وابن منصور صدّق انه مرضي عنه وانه يستمد قوته من المجتمع الدولي راعي المبادرة وظن بإمكانه أن يكون هو الرابح في ضرب القوى المتصارعة بعضها بعضا فتسارعت الأحداث واحدة تلوى الأخرى حتى الوصول إلي بيته فوجد نفسه انه قد أحيط به وبحكمه فلم يكن له من مناص سوى تقديم استقالته والتي جاءت متأخرة جدا زمانا ومكانا فالزمان يفترض أنها قبل 21سبتمبر والمكان يفترض أنها تعلن من عدن مصحوبة بقرار الانفصال المطبق على ارض الواقع فهل بالإمكان تدارك الغلط في الحساب ؟!
(صحيفة الأيام العدد 5930 الأحد 25/1 /2015)