يعيش اليمن على مستوى السلطة وضعاً غريباً ومربكاً لا يوجد له مثيل في تاريخنا المعاصر ولا حتى فيما قرأته من كتب التاريخ، هذا الوضع جعل اليمنيون ولأول مرة في تاريخهم يتساءلون: من يحكم اليمن؟، ولو طرح أحدنا ذلك السؤال على مجموعة من اليمنين سواء من البسطاء أو من النخبة سيجد الإجابات متعددة، فمنهم من سيقول الرئيس هادي والحكومة –بما فيهم وزراء المشترك- وآخر سيقول الحوثيون وثالث سيقول الرئيس السابق صالح.
ذلك التعدد في الاجابة يقابله تعدد في تحمل المسؤولية، ويقابله قدرة لدى تلك الأطراف في التنصل من الأخطاء أثناء ممارستها للسلطة، وبعدم وضوح الجهة المسؤولة ستضيع أي فرصة للمساءلة والمحاسبة ولن يتمكن الرأي العام من تحديد جهة ما يوجه لها جام غضبه في أقرب انتخابات أو في أقرب حراك ثوري.
يعرف الجميع أن أنصار الله "الحوثيين" غير ممثلين في الحكومة الحالية وأنها مُشكلة من نفس الأحزاب السياسية التي شاركت في المبادرة الخليجية –عدى المؤتمر الشعبي العام- مضافاً اليها حراك الرئيس هادي وجنوبيون موالون له، ويعرف الجميع أن فاعلية الحكومة على الأرض ضعيفة بسبب سيطرة أنصار الله من الناحية الأمنية والعسكرية على العاصمة صنعاء.
يعرف الجميع أيضاً أن يد الرئيس هادي والحكومة مغلولة في العاصمة صنعاء لكنهم مُستمتعون بهذا الوضع لأنه يُمكنهم من التهرب من المسؤولية ويبرر لهم عجزهم عن مباشرة مهامهم ويمكن الفاسدين منهم من نهب الأموال العامة مستغلين حالة الارباك الحالية.
يعرف الجميع كذلك أن دول الإقليم وعلى رأسها السعودية لن تقبل بسيطرة أنصار الله "الحوثيين" بمفردهم على السلطة في اليمن، وأنها تنتظر اللحظة المناسبة للرد على زلزال 21 سبتمبر الماضي، وتسعى عبر وقف المساعدات الاقتصادية وتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية والعمل على وقف المساعدات الدولية أيضاً الى خلق أوضاع اجتماعية رافضه لاستمرار سيطرة أنصار الله على العاصمة وتوسعهم خارج الهضبة.
ستمر الأيام والأسابيع وسنجد أنفسنا أمام كارثة اقتصادية بدأت بوادرها تلوح في الأفق، وستصبح الدولة عاجزة عن دفع مرتبات العاملين فيها في المجالين المدني والعسكري، ولن تتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات العامة المعتادة، وستتبرأ كل الأطراف من المسؤولية وتلقي باللائمة على غيرها، وسيلي الانهيار الاقتصادي انهيار أمني واعمال تقطع ونهب وسيطرة مجموعات مُختلفة على مربعات جغرافية بحجة حمايتها من ذلك الانفلات الأمني ومنع سيطرة أطراف ستوصف بالمعادية عليها، ولن يتمكن أنصار الله من ضبط الأوضاع حتى في المناطق التي يسيطرون عليها وبالأخص التي استحوذوا عليها مؤخراً، فسيطرتهم اعتمدت على تواجد شكلي للدولة وخدماتها، ولم يتحملوا أية أعباء مقابل تلك السيطرة، وعند حصول ذلك الانهيار سنصحو على وضع أشبه بالصومال في اليمن.
نحن بين سلطتين، سلطة رسمية –الرئيس وأحزاب المشترك- عاجزة ومتواطئة وفاسدة وسلطة فعلية –أنصار الله- لا تملك الشرعية ولا أدوات الحكم الرسمية، السلطة الرسمية ترفض اشراك السلطة الفعلية في الحكم لتستمر في نهب المال العام والاستحواذ على إمكانات الدولة الى أن تنهار، وهي متأكدة أن الدولة سائرة الى الانهيار، لذلك تنهب بنهم شديد واستعجال وترتب أوضاعها في الخارج لتهرب في اللحظات الأخيرة ملقية باللوم على السلطة الفعلية.
لا أتهم كل من في السلطة الرسمية بالفساد والمؤامرة لكن صمت البعض منهم من الذين نُعول عليهم يثير الكثير من الأسئلة منها على سبيل المثال لا الحصر: هل يستحق مقعد وزاري أو منصب ما كل هذا الصمت وكل هذه التنازلات؟، إذا كان الفاسدون سيتغلون الأوضاع لنهب الدولة فلماذا تصمتون مقابل بعض المناصب التي تعجزون عن أداء واجبكم من خلالها.
لست متشائم وقادم الأيام سيثبت صحة ما كتبت من عدمه، ولست مِن مَن ينتقد فقط دون أن يطرح الحلول، ولست مِن مَن يتباكى على الأطلال دون أن يسعى لإيجاد المخارج، ومن هذا المنطلق أعتقد أن هناك إمكانية للحل والخروج من المأزق الذي يعيشه وطننا، لكن الحل بحاجة الى شجاعة ووضوح في الموقف.
يتلخص الحل في مبادرة جديدة محلية أو خليجية أو دولية تؤسس لشراكة حقيقية بين السلطة الرسمية والسلطة الفعلية مضافاً اليهم بقية التيارات التي خارج السلطتين، يتم فيها دمج السلطتين عبر تطبيق بنود الشراكة والاستيعاب المنصوص عليها في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وبالتزامن مع ذلك يُشرع في سحب النقاط والمسلحين التابعين للسلطة الفعلية الى مواقعهم التي كانوا عليها قبل دخول مدينة عمران كمرحلة أولى، ثم وفي حالة تطبيق المرحلة الأولى بمصداقية وبشكل مرضي للجميع يتم الانتقال للمرحلة الثانية التي يتم فيها استكمال تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار المتعلقة بقضية صعدة وعلى رأسها حقوق المواطنين في التعويضات التي نُص عليها في وثيقة مؤتمر الحوار وبالتزامن مع ذلك يتم سحب السلاح والمُسلحين من كل المناطق وفقاً لما تم الاتفاق عليه في مُخرجات فريق قضية صعدة.
وفي حال رفضت السلطة الرسمية تلك المبادرة أقترح على السلطة الفعلية استكمال مهمتها واحداث تغيير يشمل السلطة الرسمية على مستوى الرئاسة والحكومة وتصعيد شخصيات وطنية مستقلة ذات كفاءة "تكنوقراط" وفقاً لإعلان دستوري يتفق عليه مع مختلف التيارات التي ساهمت في الحراك الأخير وبالتشاور مع باقي التيارات والأحزاب الوطنية التي ترغب في المُشاركة في تحمل مسؤولية المرحلة المقبلة.
وفي حال رفضت السلطة الفعلية تلك المبادرة أو تنصلت عن تطبيقها أقترح أن يقدم الرئيس والحكومة استقالتهم ويتركوا السلطة الفعلية تتحمل المسؤولية مباشرة أمام الشعب، فلا يمكن اعفاء أي مسؤول رسمي من المسؤولية من رئيس الجمهورية الى الوزراء بذريعة وجود أنصار الله الأمني والعسكري في العاصمة، فمن عجز منهم عن أداء مهمته لأي سبب كان عليه إيضاح ذلك للرأي العام وتقديم استقالته، ومن سيصمت منهم على استمرار ذلك الازدواج فهو مستفيد حتماً من المرحلة ويستغلها لجمع المزيد من الثروة ثم الفرار مع أقرب رحلة طيران الى خارج اليمن.
الخلاصة أنه يجب أن تحسم الأمور وتتضح الصورة ويتم انهاء حالة الازدواج في السلطة قبل انهيار البلد، ويمكن أن تتضمن المبادرة حل للقضية الجنوبية ترتضيه الأطراف والتيارات الحقيقية التي على الأرض وليس الأطراف التي تم استنساخها في صنعاء، وفي حال تعذر التوصل الى اتفاق فيما يخص القضية الجنوبية يمكن أن تتضمن المبادرة حلاً لمشكلة السلطة في العاصمة وبعدها يدخل الجميع في حوار مع التيارات الجنوبية التي رفضت المبادرة برعاية وضمانات إقليمية ودولية يطرح فيه البعد السياسي للقضية الجنوبية بكل شفافية ووضوح.
"نقلاً عن صحيفة الأولى"