رغم الإعجاب بحرارة الدفاع المنطقي عن المسلمين، الذي قدمه الممثل الأميركي بن أفليك في حوار تلفزيوني أميركي، فإن صوت العقلاء المنصفين يضيع دوما في صخب المعارك.
النجم الأميركي، مثل كثير من مجتمع هوليوود، لديهم نزعات إنسانية وميول أممية يسارية، وهذا أمر حميد في إطار التعاون الإنساني العام، ولكنه يصبح في حالات معينة اصطفافا يساريا عموديا مع جماعات اليسار في العالم الإسلامي، لكن هذا موضوع آخر.
أنا من المعجبين بأعمال أفليك، وأعتقد صحة فحوى ما قاله مع المذيع الأميركي بيل ماهر، والمؤلف سام هاريس، عندما سأله ماهر: «لماذا تشعر بالاستياء حول انتقادنا لهم؟»، فرد أفليك: «لأن الأمر مقزز، وعنصري. ماذا عن المليار مسلم غير المتعصبين، الذين لا يضربون النساء، ويريدون فقط الذهاب إلى المدرسة، وتناول الساندويتشات، ويصلون 5 صلوات في اليوم، ولا يفعلون الأشياء التي تقول إن كل المسلمين يفعلونها».
أعرف أنه من الحمق، كما أنه من الجهل والظلم، أن تصنف مجموعة بشرية ضخمة بحكم واحد موحد صامت مصمت، وقديما قيل في تراث المسلمين: «إنما خطأ الناس من الإجمال». وهذا اللون من الإدانات الجماعية للأمم والشعوب ينتمي إلى الأدبيات العنصرية، وهذا بطبيعة الحال لا يعفي المسلمين من نقد الذات تجاه طاعون «داعش».
الصليبيون المسيحيون الأوروبيون فعلوا فظائع ببلاد المسلمين، كما وقعت فظائع على مدى التاريخ في حق المسيحيين واليهود والهندوس.
أبشع أنواع الحروب هي الدينية والقومية، لأنها تقوم على خلق خنادق من الكراهية والأوهام، في أفئدة البشر تتوارثها الأجيال.
على كل لست أرغب في الإفاضة بهذا الحديث الكئيب، ولكن جواب بن أفليك الحاسم ذكرني بلون من النثر العربي اللطيف، تحت باب «الأجوبة المسكتة» وأنقل لكم هنا طائفة منها من كتاب «المنتخب والمختار في النوادر والأشعار» لابن منظور الأنصاري، من ذلك:
دنا سقاء من فقيه على باب سلطان فسأله مسألة، فقال له: أهذا موضع مسألة؟ فقال له السقاء: وليس هذا موضع الفقيه.
لما استخلف المهدي أخرج من في السجون، فقيل له: إنما تزري على أبيك. فقال: لا أزري على أبي، ولكن أبي حبس بالذنب، وأنا أعفو عنه.
قال عبيد الله بن سليمان لأبي العيناء: كيف حالك؟ قال: أنت الحال، إذا صلحت حالك صلحت حالي.
قال المنصور لبعض الخوارج وقد ظفر به: عرّفني من كان أشد أصحابي إقداما في مبارزتكم؟ فقال: ما أعرفهم بوجوههم ولكني أعرف أقفاءهم، فقل لهم يدبروا حتى أصفهم، فاغتاظ وأمر بقتله.
تزوج أعمى امرأة فقالت: لو رأيت حسني وبياضي لعجبت، فقال: اسكتي، لو كنت كما تقولين ما تركك لي البصراء.
قال ابن أبي البغل لرجل: ولد لي مولود فما أسميه؟ قال: لا تخرج من الاصطبل وسمّه ما شئت.
من المهم، أحيانا، هز المسلمات وطرح الأسئلة المختلفة على جمهرة الموقنين.