صنعاء والغطاء الجنوبيّ الكاسي العاري ٢-٢

2014-09-03 13:24

        

مادامت واجهة نظام دولة الاحتلال اليمني جنوبية، فإن متوالية تصفية القضية الجنوبية على الطريقة اليمنية ستستمر، بتجليات متعددة عسكرية ودينية واقتصادية وسياسية، وسيفيق المتغافلون الجنوبيون على حقيقة أن شرعنة الاحتلال تحت أي عنوان إنما هي مشاركة للمحتل في التصفية العنصرية التي يمارسها نظامه منذ انتصار قوات تحالفه في 1994م امتداداً للتصفية التاريخية التي تم تدشينها  قبيل رحيل المستعمر البريطاني في 1967م، ومع الأسف كانت الأدوات جنوبية.

 

فهل من موقف شعبي يضع حداً لاستمرار استخدام تلك الأدوات القاتلة؟ ذلك أن مشاركة المحتل في تدمير الحاضر والمستقبل وقتل الجنوبيين ليست اختلافاً في الرأي، أو تبايناً في وجهات النظر، أو تنوعاً فكرياً، أو تعدداً حزبياً، ولكنها شكل من أشكال التواطؤ ضد الإنسان وحريته وكرامته وسيادته على أرضه.

 

فهل تفيق تلك الأدوات المستخدمة المستعبدة، ولن تفيق إلا إذا أدرك الجنوبي أن لا ناقة ولا جمل لمستقبل شعبه، مع أولئك - والأدلة لا تعد ولا تحصى - وأن أي صراع بينهم مهما اختلفوا مذهبياً أو سياسياً أو قبلياً أو عائلياً، لن يكون الجنوبيون فيه إلا أدوات ذات صلاحية تحددها صنعاء، والضحية في نهاية المطاف هو الجنوب وشعبه المنكوب بقيادات ضالة أو لها ماضٍ ملوّث في الجنوب، واستطاع الاحتلال أن يتحكم فيها بالريموت، ولكي يحسن استخدامها اشتغل عليها سياسياً وإعلامياً، حتى صدقت أنها القادرة على صنع التحولات التاريخية، مع أنها ليست إلا أدوات للاستخدام المؤقت، وهي تعلم ذلك جيداً، ولذلك فهي توغل في الفساد، وتمعن في الكيد، وتسخر من مقولة أن في الجنوب احتلال أصلاً.

 

تلك هي المسألة في ما يبدو، أما سوى ذلك فهو دورانٌ حول الموضوع، وتدويخ للناس، وتصفية للقضية، بأوهام عبقرية افتراضية ينسبونها إلى عبدربه منصور وأشباهه من الأدوات الجنوبية البائسة المستخدمة في صنعاء، ومن سيلتحق بهم ممن يلبسون أقنعة الحراك الجنوبي السلمي بمختلف درجاتهم وصفاتهم في الداخل والخارج - ويستوي في ذلك القديم منهم والجديد والمستجد - فيما تعيد قوى الاحتلال ترتيب أوراقها، وتستعيد عناصر قوتها، وتجدد احتلالها، وتجند أدواتها العسكرية والطائفية لتنفذ سيناريوهات متعددة عالية الآكشن ليستمر، تلقائياً، مسلسل استخدام الأدوات الجنوبية الجديدة المناسبة لكل مرحلة ومعطياتها، كما يحدث الآن من تسريب أو ترويج إعلامي بأن حكومة (الكفاءات) الاحتلالية اليمنية التي سيتم تشكيلها تحت ضغط التصعيد الحوثوي سيكون على رأسها أداة جنوبية، ويرجّحون أن تكون من حضرموت (التي يشفطون كل شيء فيها: الأرض والبحر والنفط والهواء والأمان والسلام والإنسان والهوية والقيم والتاريخ والمستقبل)، وكأن قضيتنا تتمثل في أن يتولى حكومة المحتلين أداة من تلك الأدوات المعروضة في سوق نخاسة صنعاء للاستخدام الحكومي، من أجل أن تسهم في ازدياد مآسي شعبها، بينما تزداد هي ثراءً وفساداً وإفساداً، وتستخدم كارت انتمائها الجغرافي على طاولة اللعب في صنعاء لمزيد من الابتزاز المقيت، وهي تدور حول نفسها، ليتم تدويرها حكومياً بحسب الإرادة الصنعانية، إذ لو كان لأحد أن يكون ويحقق شيئاً للجنوب، بوضع يده في أيدي أولئك لكان الأستاذ فرج بن غانم - رحمه الله – الذي استقال من رئاسة حكومتهم، ولكان المهندس فيصل بن شملان أيضاً - رحمه الله – الذي لم يقبل بنتائج انتخاباتهم وديمقراطيتهم البائسة , أما غيرهما فلم يكونوا سوى أدوات رخيصة من سقط المتاع، ولا يستطيع أيّ منهم أن يطلّع نخس.

 

ولعل من سخرية الأقدار أن يتم تلميع بعضهم حالياً، ويختصم بعض الجنوبيين حولهم بين مؤيد ومعارض، فيما يتوارى عتاولة الاحتلال ودهاقنته، عسكريين ومدنيين، عن مشهد الحدث الساخن، لتبدو في واجهته أراجوزات الجنوب المتشابهة والمتهافتة على فتات الموائد اللئيمة التي تدفع فواتيرها من نهب خيرات أرضنا، ليزداد شعبنا ضنكاً، وعوزاً، وجهلاً، ومرضاً، ومهانةً، واستلاباً تحت احتلال يخجل التاريخ من تدوينه في ذاكرته السوداء.

 

احتلال لا فرقَ جوهرياً بين قواه المتصارعة أو المتصالحة، وإن اختلفت في المسمى أو المذهب او الاتجاه، فموقفها جميعاً واحد لا تختلف حوله إلا تكتيكياً فقط، وهو أن لها حقاً تاريخياً وإلهياً في أرض أجدادها (بلادنا) التي اغتصبها المستعمر البريطاني في غفلة منها، ثم لم يكن تحريرها منه إلا لإعادة الحق التاريخي والإلهي لأصحابه في صنعاء، وقد أعيد لهم في  مايو 1990م، ثم عمدوه بالدم والفيد والفتوى في  يوليو 1994م.

    

ولعل من أبرز الدروس المستفادة من الأحداث الأخيرة أن الطبطبة الجنوبية على أكتاف أعوان الاحتلال اليمني أو صناعة الوهم عن حنكتهم السياسية، عبر التسويق الإعلامي المدفوع الثمن، أو بالسذاجة العاطفية،  قد تفقد شعبنا مع مرور الوقت عناصر قوة مهمة، ما كان له أن يفقدها لولا الخلط بين ما هو سياسي وما هو عاطفي أو جغرافي (مناطقي)، ففي التوصيف السياسي الرسمي ليس عبدربه منصور إلا رئيساً توافقياً لدولة الاحتلال اليمني، وهو الذي أصدر قرارات تقسيم الدولة الجنوبية الموحدة التي دخلت شريكاً سياسياً في الوحدة اليمنية المنتهية صلاحيتها بالحرب، ليس حباً في سواد عدن أو حضرموت، وإنما لتمكين صنعاء في الأرض المحتلة، وإضفاء شرعية دولية على احتلالها العسكري بمسمى اتحادي ناعم، الأمر الذي لم يجرؤ على فعله الرئيس الفعلي لدولة الاحتلال اليمني علي عبدالله صالح، في عز مجده الاستبدادي. فهل يبحث الجنوبيون عن وطن أم عن سلطة معززة بثقافة تقليدية هي الفاعلة في سلوكهم السياسي حد أن يتوهم بعضهم أن يكون مواطنهم الجنوبي المقيم في صنعاء رمزاً قيادياً جنوبياً ولم يرأس دولة الاحتلال اليمنية الشقيقة إلا من أجل أن يحرر الجنوب الذي ساهم هو بكامل قواه العقلية والعسكرية في إسقاطه بيد الاحتلال عام 1994م من موقع توظيفهم له حينئذٍ بدرجة وزير حرب، ثم نائب رئيس ساكت عن الحق الجنوبي، ثم رئيس توافقي، يبرر، بوجوده في الواجهة الصنعانية، استباحة االجنوب أمام العالم  (!!)، وعلى الناحية الأخرى مازال بعض الجنوبيين يتوهمون أن قيادات دولة الجنوب السابقة كائنات سياسية مقدسة مع أنها أصبحت خارج منطق العصر والتاريخ والسياسة، ومازالت معاقة بماضيها ومثقلة بخطاياه وخطاياها، وكثيراً ما تدور حول نفسها ويدور حولها أتباعها كالعميان، وما دماء الشهداء إلا وقود لاستمرار نرجسيتها المتورمة، وليذهب الوطن وتضحيات شبابه وأجياله إلى الجحيم، ولذلك فهي تعمل جاهدة كي تظل ممسكة بكل الخيوط، ومازال بعضها يتطلع إلى دورٍ رئيسٍ في الجنوب القادم أو حتى اليمن المائل - مع أنها جميعاً قد بلغت الأجلين، وكانت وبالاً على شعبها في كل المراحل، وعلى أية حال فليس أحداً منها غاندي أو مانديلا مثلاً أو مهاتير أو أردوغان.

      

بالمختصر المفيد: مادام هناك غطاء جنوبي يشرعن الاحتلال اليمني، فستستمر صنعاء في سياسة تغيير الموضوع في الجنوب، من احتلال إلى فيدرالية بإقليمين، إلى ستة، ومن إقليم جنوبي موحد إلى إقليمين افتراضيين، يكونان موضوعاً لخصومات لا يستفيد منها سوى الاحتلال نفسه، ومن رحيل قوات الاحتلال إلى تشكيل لجان شعبية  لحماية قوات الاحتلال من عناصر الإرهاب تحت عنوان مكافحة الإرهاب، ليختلف الجنوبيون في التفاصيل المنثورة أمامهم، ويختصمون، بينما تعيد قوى الاحتلال وأعوانها ترتيب الأوراق والملفات، لتضرب الجنوبيين بالجنوبيين، فمن صراع بهلواني على أقاليم الاحتلال ومشمولاتها الإدارية، إلى مناكفات حول حدودها، ومن إقليم اتحادي جنوبي موحد إلى إقليمين حضرمي وعدني في دولة اليمن الاتحادية الاحتلالية، فيما الكل تحت الاحتلال اليمني العسكري القبلي الطائفي الهمجي المتخلف.

 

يحدث ذلك كله ومتنفذو دولة الاحتلال في دواوينهم في صنعاء وفي معسكراتهم في الجنوب على مداكي القات، يسخرون من الجميع، مادام في واجهة دولتهم جنوبيون تحت الطلب، يمنحونها شرعية أمام العالم.