هاهي موجة جديدة من أمواج التنكيل بالجنوب في أرضه. حسين اليافعي شهيداً – رحمه الله - وعدد من الجرحى – شفاهم الله - في شارع المعلا، والحدث هو استفزاز مارسته أدوات سلطة الاحتلال في عدن، ضد شباب الحراك الجنوبي السلمي التحرري، بمحاولة تسيير مظاهرة تؤيد الدفاع عن جمهورية يمنية في المشمش، لم يعد لها معنى، لكن سلطاتها ومراكز قواها مازالت تحتل الجنوب وتروّج لمخرجات حوارها الوطني، وفي واجهتها جنوبي مستخدم في صنعاء بدرجة رئيس، ومعه رهط من مستوزرين ومستخدمين بدرجات متفاوتة. يحدث ذلك في المعلا، فيما لا تزال صنعاء تحت مرمى تصعيدات الحوثي وأتباعه (المدججين بالأسلحة سلمياً !!)، ويخاطبه الرئيس المستخدم مخاطبة الند للند، رسالةً برسالة، ومظاهرة بمظاهرة، ولم يُواجَه (الحوَثة) بالرصاص الحي أو مسيلات الدموع، أو بالعنجهية التي يمارسها العسكر في عدن ومناطق الجنوب كافة.
وقبل أسابيع معدودة، بدا الناس كأنهم أفاقوا لأول مرة على أول جريمة بشعة في نوعها، إذ تناقلت الأنباء واقعة ذبح عدد من جنود الاحتلال اليمني في حوطة شبام الحضرمية، بأيدي عناصر من تنظيم القاعدة. ولأن الواقعة تقشعر لبشاعتها أبدان الأبالسة، فقد قوبلت برأي عام رافض للقتل بهذه البشاعة والوحشية، ناهيك عن أن تكون حضرموت المدنية المسالمة ساحة لذبح البشر، ضمن صراع قوى دولة الاحتلال.
لقد تناقلت وسائل الإعلام أخباراً وتقارير وتحاليل، منها ما هو متصل بالصراع الطائفي اليمني في معاقله، ومحاولة نقله إلى ساحة خارجية بعيدة، لحسابات سياسية واقتصادية تحت عنوان قبيح مثلهم ) حضرموت مقابل عمران ( ، أو )عدن مقابل صنعاء (، ومنها ما هو متعلق بإعادة ترتيب أوراق الاحتلال وإعادة تمكين قواته من إحداث أمر واقع جديد على قضية استبدادهم بشعبنا، وفرض أجندة ما بعد حوارهم اليمني المسدود الأفق، بطريقة منسجمة مع رغبات مخرج الأحداث ومساراتها في المنطقة العربية عموماً منذ بداية ما يعرف بالربيع العربي.
لن أخوض في التفاصيل، ولكنني سأركز على المسكوت عنه سياسياً، الذي إن استمر السكوت عنه، أو التعامل معه بانتقائية أو بمنطلقات مناطقية، فسيؤدي إلى كوارث لا تنتهي، الأمر الذي لا بد له من حسمٍ ، بلا خلط بين السياسي والعاطفي.
هل كان ليحدث ما حدث لو لم تكن هناك كائنات جنوبية مستخدمة من قبل قوى الاحتلال كلاً بدرجته، القديم منها والجديد، والرئيس منها والوزير، هي الغطاء الذي برَّر قتل رجال ونساء وشباب وأطفال حضرموت وعدن ولحج وأبين وشبوة والمهرة، برصاص جنود الاحتلال بدم بارد، ومازالت الذاكرة طرية والشواهد كثيرة وأرقام الشهداء والجرحى والمعاقين تقدر بالآلاف، فيما تلك الكائنات المستخدمة من قبل قوى الاحتلال، تزداد ثراءً ويتم تنقلها في المهام بحسب البروتوكولات الصنعانية التكتيكية والإستراتيجية، والغاية هي أن يبقى الاحتلال مشرعناً بمشاركة تلك الكائنات في الحكومات الكرتونية المتعاقبة منذ عقدين من الزمان. بل إن التدهورات الأخيرة كشفت عن أن هناك من يريد توسيع دائرة الاستخدام اليمني للكائنات الجنوبية، بدعوى دعم عبدربه منصور على افتراض أنه رئيس جمهورية (!!) وأن السياسة التي بدأ أولئك يفكون شفرة أسرارها أخيراً، تدلهم على أن تحالفاً جنوبياً (!!) مع عبدربه، في اللحظة الراهنة، يمكن أن يفكك منظومة الاحتلال اليمني ويستعيد الحرية والكرامة وينهي عمليات نهب الثروات واستنزاف الطاقات، ويحقق استقلال الجنوب بقفزة فانتازية في الهواء، بل ليس ذلك فحسب وإنما سيحل قبل ذلك أو بعده بقليل، كل أزمات الأشقاء اليمنيين المضطهدين ما ظهر منها وما بطن!.
والعجيب أن هذه الكائنات لم يتم عزلها اجتماعياً وسياسياً في الجنوب، بل يتم اعتبارها - حتى من قبل بعض قيادات الحراك الجنوبي السلمي – واجهات جنوبية في حكومة الاحتلال، يجب عدم المساس بها، في إطار التصالح والتسامح، بدلالته الفضفاضة، فيما تؤدي تلك الكائنات أدواراً تبرر القتل، وتعمل على تزييف الإرادة الشعبية الجنوبية، أمام شعب اليمن الشقيق البائس، وأمام المجتمعين الإقليمي والدولي، وتمارس بعض حركات الابتزاز المسموح به طبعاً، بمنحها امتيازات معينة ) لجنوبيتها الجغرافية ( كلما اشتد أوار التصعيد الجنوبي في الميدان. ومثل تلك الكائنات كائنات أخرى متموضعة في الخارج، وتمارس الدور نفسه، وهي الآن قاب قوسين أو أدنى من المساهمة على الأرض في إعادة إنتاج الاحتلال وتأبيده ، بعد أن اشتركت عدة قوى في محاولات تشتيت جهود الحراك السلمي الجنوبي الميداني، واختراقه بالمال السياسي الاحتلالي، عبر سماسرة جنوبيين، أو بالمال السياسي الإقليمي الذي يؤجج الخلافات بين ما تسمى بالقيادات التاريخية ومكوناتها، من أجل تمرير أجندة صنعاء المتواطئ متنفذوها مع الرغبات الملبية لصفقات مصالح الإقليم والدول الكبرى، ضداً على مصلحة جماهير دولة الاحتلال، أو الجماهير الواقع عليها الاحتلال منذ صيف 1994م.
صنعاء أشد مكراً من تذاكي أي أداة من تلك الأدوات الجنوبية المستخدمة، القديمة منها والجديدة، أو المتطلعة للحصول على درجة مستخدم جديد، في أعلى السلّم أو في وسطه أو أسفله، فالكل الجنوبي في صنعاء أو المستجيب لرغبات صنعاء، هم أدوات جنوبية لشرعنة الاحتلال ليس إلا. بل إن تلك الأدوات الجنوبية هي الجدار الأول الذي يستخدمه الاحتلال مصداً لأي خطوة جنوبية إلى الأمام، ويعلق عليه يافطات تحسين شروط بقائه واستمراره. ولو أن موقفاً شعبياً تم اتخاذه من تلك الأدوات، بعزلها اجتماعياً وسياسياً، لما طال أمد الاحتلال وإجرامه واستبداده وقتله إلى اليوم، ولذلك فتلك الأدوات الجنوبية شريك رئيس في سفك الدماء ونهب الثروات والاستبداد الذي يمارس ضد أبناء جلدتهم في كل المناطق المحتلة، فيما هم يعبّرون عن موقف من استخدمهم رسمياً، ويذرّون الرماد في عيون مواطنيهم الذين عانوا كثيراً من ويلات الصراع، فهم لذلك يؤثرون التسامح، غير أن بعضاً منهم يمارس انتهازيته مع أولئك، على قاعدة "مشي حالك"، حيث لا قضيةَ إلا تحقيق المكاسب الشخصية وما شابهها، ولولا هذه الحالة الجنوبية الرِّخوة ما كان ليجرؤ أحد على المشاركة في الحوار الوطني اليمني ضارباً عُرض الحائط بإرادة الشعب ومليونياته التي لم ترفع أي هدف سوى الاستقلال عن دولة الاحتلال اليمني، وليس الخوض في المخرجات أو المناكفات حول تمجيد انسحاب من لم يكملوا جلسات الحوار، إذ ليس الموضوع أن يكون هذا الجنوبي بديلاً لذاك، أو أن يكون الجنوب إقليماً بدلاً من إقليمين في دولة اتحادية يمنية احتلالية.
( يتبع ٢-٢ )