مع تمدد الحوثي وإعلانه الزحف على صنعاء ومطالبته بإسقاط الحكومة والجرعة تعالت أصوات قوى النفوذ (صالح، ومحسن والإصلاح، وآل الأحمر) بالشكوى من هذا الوضع مع أن هذه القوى بأفعالها وتصرفاتها الرعناء وفسادها وإفسادها طيلة 33 عام واستحواذها على كل شيء وإقصاء وتهميش كل من ليس معها هو السبب في ما وصلت إليه حال البلد اليوم، وما الحشود الحوثية إلّا رد فعل طبيعي لكل رواسب الماضي.
وأن ما طالب به الحوثي بالأمس وما يطلبه اليوم من حصة له في الحكومة سيما بعد بسط نفوذه وسيطرته على عمران هي مطالب مشروعة من وجهة نظري، وأن اختلف سقف مطالب الأمس عن اليوم، فليس من المنطق أن لا يكون له نصيب في الحكومة وهو الأقوى على الساحة اليمنية وله حضور عسكري وشعبي كبير، ولا أعلم سبباً لاستمرار قوى النفوذ في عنادها وغيها ومكابرتها وتجاهلها للحوثي كقوة على الأرض، فقد كان لزاماً تلبية مطالب الحوثي ـــ وبالذات بعد سقوط عمران ـــ وهي لا زالت في حدها الأدنى، وإشراكه في حكومة إنقاذ وطني للخروج من المأزق الذي أوصلوا البلد إليه اليوم، ولو أن قوى النفوذ نزلت قليلاً من برج كبريائها العاجي المتصدع لما وصلت حشود الحوثي إلى مشارف صنعاء ولما حاصرها لإرغام تلك القوى المتنفذة على الخضوع وسحب البساط منها بما لا لم تكن تتوقع.
إن الهدف الحقيقي للحوثي من حصار صنعاء هو إجبار قوى النفوذ تلك على الاعتراف به كقوة على الأرض والاقرار له بحصته في الحكومة القادمة والتي لن يرضي بغير الثلث فيها حتماً، وذلك بعد أن فشلت كل مساعيه ومناوراته السياسية لانتزاع هذا الحق بغير طريق القوة. وأن هدفه هذا هو هدف استراتيجي سعى إلى تحقيقه في هذه المرحلة بالذات، وأن تحقيقه من وجهة النظر السياسية يعد إنجازاً مرحلياً سيكتفي به الحوثي مؤقتاً، تاركاً ما يضمره من غايات حقيقية وطموح في استعادة مجد ما قبل سبتمبر 1962م إلى قابل الأيام، في حين يرفع شعار إسقاط الجرعة كمطلب تكتيكي ليس إلّا .
لذا فإن ما سيتمخض عنه حصار صنعاء أمرين: أما القبول بما يطالب به الحوثي مرحلياً والمتمثل بإسقاط حكومة المحاصصة بقيادة باسندوه، والحصول على نصيبه غير منقوص في الحكومة القادمة وأرى أن هذا هو أهون الشرين وينبغي على قوى النفوذ القبول به والبعد عن صلفها وكبريائها،
والأمر الثاني هو الحرب وأن كنت أرى أن الحوثي يلوح بها للتهديد فقط للقبول بإشراكه في الحكومة، لكنه خيار غير مستبعد في حالة رفض قوى النفوذ لإسقاط الحكومة، لذا ستلجأ تلك القوى إلى المناورة السياسية التكتيكية للحفاظ على ماء الوجه كما يقال ومن ثم سترضخ لما طلبه الحوثي لأنها تعلم جيداً أن الحرب ليست في صالحها.
لقد فرض الحوثي نفسه كقوة على الأرض وفرض واقعاً جديداً ستتغير تبعاً له موازين القوى في الساحة اليمنية وفي هذا مصلحة لقوى على حساب أخرى ولا شك أن جناح الرئيس والقوى المدنية هي المستفيد الأكبر من هذا الوضع على حساب تلك القوى التي تناحرت فيما بينها حتى وهنت وخارت قواها، فكان لزاماً أن تسلم الزمام للقادة الجدد.. ولله في خلقه شؤون!!
د. عبدالله محمد الجعـــري.