الطبع يغلب التطبّع

2014-04-14 17:16

       

لم يكد الجنوبيين يتنسمون عبير الحرية بعد رحيل الاستعمار البريطاني عن الجنوب في الثلاثين من نوفمبر عام  1967م  الذي جثم على صدورهم لقرن من الزمن وتسعة عشر عاما تقريبا ،  حتى ابتلوا بحكم كان في قبضته اشد من قيود الاستعمار وفي همجيته و بطشه اعتي من الإمبراطورية  التي لا تغيب عنها الشمس .

 

 فبعد 67م سيطر الرفاق على أرض  شاسعة وثروات طائلة   لم يعرفوا الطريق لاستخراجها  فساقتهم الأطماع الشخصية الضيقة والفكر الشمولي العقيم  إلى إحكام سيطرتهم المطلقة على مقاليد الحكم  حيث حكموا الناس بالحديد والنار فصار الحزب هو الشعب والشعب كله في خدمة الحزب ولا صوت يعلو فوق صوت الحزب  ، أمم أموال الناس ونهب خيراتهم وفرض عليهم قسرا الأيدلوجية الاشتراكية العقيمة بكل علاّتها و كوارثها ، أعادت الجنوب للوراء عقودا ، فلم تعد تشهد البلد تنمية اقتصادية ولا تقدم علمي وعداء سياسي على المستوى الإقليمي والعالمي الأمر الذي بقيت أثاره حتى اليوم .

 

عاش الناس في الجنوب في سجن كبير اسمه الوطن حتى المسمى للبلد المحرر بدلا أن يكون اسما يتناسب وهويتة الحضرمية الممتدة جذورها إلى أكثر من خمسة الآف سنة ولا لهوية الجنوب العربي التي بدأت تتشكل منذ مطلع الستينات من القرن الماضي

 

 بل  فرض عليه اسم جديد هو (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية)  ومن هنا بدأ التلاعب بتاريخ وهوية الجنوب.

 

كانت أداة الرفاق في تمرير ما يريدونه هي البطش فكم شهدت البلد من حالات إعدام وكم شهدت من سحل وسجن للناس حتى أخرجوا الناس يسبحون بحمد الرفاق و حزبهم مجبرين مكرهين ربما لترتاح ضمائرهم و يدخلون السرور على أنفسهم حين يرون المواطنين يهتفون للحزب و تمتلئ الشوارع بالزغاريد والأهازيج مع كل جلدة تلهب ظهور الناس .

 

في ظل هذا الوضع من الظلم والقهر و التضييق من الطبيعي أن يتمنى الناس الفكاك ولو بمعجزة إلهية فكانت الوحدة مع الشمال هي المخلص الوحيد في نظرهم ولكنها كانت كالسراب الذي يظنه الظمآن ماء،

 

صحيح أنها كانت وحدة قامت على مصالح لطرفي الحكم فقط لم تراع فيها مصلحة الشعبين وبالأخص مصلحة الشعب الجنوبي لكن حتى لو تم الاستفتاء عليها في ذلك الحين لكانت نسبة الموافقة والقبول بها في الجنوب99،9%  فالشعب تجرع الويلات ويبحث عن الخلاص حتى لو كان الخلاص على يد مافيا من النهابين والمحتالين الممثلة في منظومة الحكم اليمنية  برئاسة الزعيم السابق المخلوع اللاحق .

 

أدخل الجنوب في وحدة مع الشمال في ظل اختلاف عادات وتقاليد ومع ذلك كان المواطن الجنوبي أكثر فرحا بالوحدة التي لم يكن يعلم أنها باب في ظاهره الرحمة وفي باطنه من قبله العذاب .

 

وبعد السكرة جاءت الفكرة  وبعد الفرحة ظهرت الحنقة بعد أن تضاربت مصالح الأفاعي فأشعلوا حرب صيف 1994م والتي كان الخاسر الوحيد فيها هو شعب الجنوب

 

الذي ظل حائرا متفرجا هل يشارك في حرب قد تعيده لقبضة جلاد الأمس أم يلزم الصمت فيكون صيدا للحوت القادم من الشمال . فبقي متفرجا على جحافل الغزاة التي يتقدمها فصيل جنوبي قدر بإحدى عشر لواء عسكري يفرض أمر الوحدة بالقوة تحت مبرر الشرعية الزايفة .

 

ومن يومها استمرت مآسي المواطن الجنوبي غير أن الشيء الذي اختلف في علاقة الشعب الجنوبي بقياداته القديمة بعد أن خسروا الحرب صوريا لكنهم ربحوا ملايين من خزينة الجنوب فروا بها خارج البلاد يعيشون بها حياة الترف والراحة  وغابوا في سراديب الظلام والاختفاء  حتى  ظهرت الثورة الجنوبية في عام 2007 م  وبعد أن اشتد عودها  وسار تحت رايتها ملايين الجنوبيين .

 

وإذا بالمختفين يعودون من جديد للظهور  ويحاولون الظهور  بصورة جديدة   مختلفة عن الصورة التي عرفها الشعب الجنوبي عنهم فانتهجوا لتجميل تلك الصورة نهجا جديدا وهو التدليس الإعلامي على الناس اعتمدوا في ذلك على مجاميع من البشر لا يجيدون في الحياة سوى صنعة الكلام و تزييف الحقائق وتلميع المؤميات المحنطة ،

 

محاولين إنتاج فكرهم وأنفسهم من جديد فصدقهم في ذلك كثير وصفح عنهم الشعب الطيب وصار جلادي الأمس حمائم السلام والحب للجنوب  اليوم لكن يبدو أن الله تعالى لم يشأ أن يظل الناس يمضون خلف من استباح دمائهم لعقود طويلة فبدأت الصورة تستبين للناس وبدأ الجميع يعلم أن هؤلاء لا يقدمون للشعب سوى الشعارات والخطب وحين يتحول الأمر لدعم حقيقي حتى لو علاج جريح أو مساعدة أسرة شهيد تجد الكل يدير ظهره و يبكي أنه لا يمتلك شي وأنه معدم ويعيش حالة كفاف يبدو أن السياسة المالية الاشتراكية القديمة قد ورثت فيهم البخل الشديد وإلا اين هم عن جراح المناضلة زهراء صالح وغيرها من الجرحى والمكلومين .

 

كما أن أساليب الإقصاء للآخرين ومن يختلفون معهم في الفكر كانت من أسباب انفراط ذلك الجمع الكبير من حولهم.

 

 فلم يعد مجديا سحرهم إلا مع من تربطه بهم مصالح ومصالح فقط .

 

فهل تعي القيادات الميدانية الدروس والعبر من التاريخ  ومن مرحلتين فقط  مرحلة السبعينات وما تلاها كيف كانت حياتنا وكيف كانت دول الجوار ومرحلة صيف 1994م ما الذي جعل جموع الشعب تنفض من حولهم ولم تساندهم ، فهل تيقنّا أن تصدرهم المشهد ما بعد 2009م انه  السبب الرئيس في عدم التفاف الناس حولهم وظهرت مظاهر الريبة والخوف على وجوه القريب والبعيد الم  نتيقن أنهم جزء من أسباب عدم النجاح وتحقيق الأهداف .

 

وعلينا أن نعي جيدا أن من فشل في الماضي وضاع في الحاضر لن يصنع المستقبل .