حضارم مُهجرون قسرياً من أرضهم يروون قصة معاناتهم على أيدي جنود الحكومة (صور)

2014-02-20 18:46
حضارم مُهجرون قسرياً من أرضهم  يروون قصة معاناتهم على أيدي جنود الحكومة (صور)
شبوة برس- خاص المكلا - غيل باوزير

الدولة وحلف القبائل تخلوا عنا ونعاني من نقص حاد في حليب الأطفال

حضارم مُهجرون قسرياً من أرضهم  يروون قصة معاناتهم على أيدي جنود الحكومة

 

 

تقرير / محمد اليزيدي – تصوير / فاطمة باوزير - إيناس الرامي

 

نحن لسنا نازحين أو لاجئين .. نحن مُهجرين قسرياً من منازلنا وأرضنا التي عشنا فيها لسنوات طويلة من الزمان . بهذه الكلمات بدأ العم عبيد سالم المطملي، حديثه لنا حينما استقبلنا في مخيم ثانوية الفقيد سعيد عوض باوزير بمديرية غيل باوزير  ليحكي لنا قصة تشريده برفقة المئات من أبناء قريته المسالمة التي تبعد عن المكلا نحو (60) كيلو متر  بفعل ممارسات عناصر وحدات الآمن المركزي المرابطة هنالك  والتي اتخذت من سكان تلك القرية دروع بشرية وفرضت على سكانها حصار خانقاً لقرابة الأسبوع وصلت مظاهرة إلى قطع المياه عن منازل السكان وجعلهم يعيشون العطش لعدة أيام.

 

بدأت معاناة سكان قرية عبدالله قريب التى لطالما أشتهر أبنائها بالعمل في بيع الحلويات و جوز الهند ( الكزاب ) للمسافرين منذ عشرات السنين ، مع اندلاع اشتباكات عسكرية عنيفة في الأسبوع الأول من شهر فبراير الحالي بين عناصر الجيش اليمني المتمركزة في نقطة عبدالله غريب ومسلحين يُشتبه بأنهم على علاقة بحلف قبائل حضرموت .

 

ليعمل عناصر الجيش على فرض حصار عسكري خانق على سكان تلك القرية دون أن يكونوا قد اقترفوا أي أثم ، ودون أن يتورطوا في الاشتباكات الجارية بين الحين والآخر بين الجيش المسلحين من أبناء القبائل. 

 

يسرد العم عبيد المطملي حديثه لنا بالقول أنه وخلال الأيام الأولى للحصار رفض الحراسات الأمنية والعسكرية السماح للمواطنين الخروج من منازلهم للذهاب لأعمالهم كما منعت حتى التلاميذ من الذهاب إلى مدارستهم الوحيدة بالقرية والتى تحتضن أبناء القرية المهمشة حتى الصف السادس الابتدائي.

 

ومن أراد أن يواصل تعليمه عليه أن يذهب إلى مدرسة أخرى تقع في مديرية غيل باوزير والبعيدة عن القرية أكثر من ساعة بالسيارة. – لم أصدق أن هنالك أطفال في حضرموت الثرية بالنفط والمعادن يقطعون يومياً أكثر ساعتين يوميا في ذهابهم وإيابهم من أجل الذهاب إلى مدرسة يتمكنوا من خلالها مواصلة تعليمهم - .

 

بحسب رواية الأهالي الذين تمكنوا من الهرب من ذلكم الحصار البشع ، فإن منع التجول شمل أيضاً راعيات الأغنام كما أن الجنود الحكوميين كانوا يطلق الرصاص باتجاه أي شخص يخالف الأوامر ويخرج من بيته ، تحدثوا كذلك عن سيدة نجت من الموت بعد إطلاق الجنود الرصاص عليها بعد أن أقدمت على إشعال (التنور) في الخارج من أجل صنع الخبز لأسرتها.

 

ولم يسلم حتى مسجد القرية من أطلاق النار عليه من قبل الجنود الذين كانوا دائماُ ما يعلمون على إطلاق النار بشكل كثيف في الليل بصورة عشوائية من أجل إخافة وإرهاب سكان تلك القرية المستضعفة.

 

ولم يكتفي  جنود الحكومة  بهذه الممارسات التي قال عنها رئيس اللجنة الشعبية بمديرية غيل باوزير أنها تدل على الاستبداد والتعجرف ، بل قام الجيش بمنع سكان القرية من الحصول عليه مياه الشرب النقية بعد أن منع الأهالي من تشغيل البئر الذي يُزود القرية بأكملها بالمياه. وأستمر هذا الحال لنحو أربعة أيام. يضيف أحد المشردين من أبناء المنطقة ليقول أن الجنود شعروا هم أيضاً بالعطش فهم يشربون من نفس البئر ولذلك سمحوا لنا بإعادة تشغيله من جديد. بيد أن هذا لا يعني أن الحصار قد رفع فقد أستمر لأكثر من ثمانية أيام عجاف.

 

يُبرر الجنود وغالبيتهم من عناصر الآمن المركزي  حصاره للقرية بالقول أن سكانها هم من أطلقوا النار على عليهم . غير أن هذه التهمة ينفيها سكان القرية من مخيمهم المؤقت قائلين أن تلك النقطة موجودة منذ أكثر من عشرين عاماً وأنه لم يحدث قط أن حدث أي صدام أو مشاكل بينهم وبين أفراد تلك، مشددين على رفض ربطهم بأي علاقة بتلك الأشتباكات التى حدثت بين الجنود والمسلحين.

 

الجميع  تجاهلنا

حينما تسأل جموع تلك العائلات المُهجرة قسراً من منازلها عن تعامل الدولة معم ممثلة بالسلطة المحلية بحضرموت ، ترى الكثير من الحزن وخيبة الرجاء والأمل في نظرات وجوههم المسمرة اللون ، لتفهم الإجابة من تلقاء نفسك دون أن تجد نفسك بحاجة إلى سماع ألسنتهم تنطق بما باحت به أعينهم مسبقاً. لقد تخلت السلطة المحلية بحضرموت عن هؤلاء، لم تسأل عن أحوالهم وما المصير الذي عايشوه خلال أيام الحصار كما أنها لم تهم بمصيرهم بعد أنتها الحصار بالتهجير عن أرضهم التي عاشوا عليها لعقود طويلة أباً عن جد. 

 

يُحدثنا العم عبيد  وهو المتحدث باسم أبناء قريته المُهجرين والذين كانوا يحيطون به قائلاً " إن محافظ حضرموت مسافر، والأمين العام للمجلس المحلي للمحافظة صالح العمقي  لا يهتم بنا وبقضيتنا كل ما يقدمه لنا هي الوعود والكلام فقط".

 

مشيداً بذات بدور أبناء مديرية غيل باوزير و السلطة المحلية بالمديرية  ممثلة بأمينها العام  ياسر بامعافه والذي بذل العديد من الجهود والضغط بمساندة شعبية كبيرة من قبل أهالي مديرية باوزير على قادة النقطة العسكرية من أجل إنهاء  الحصار المفروض على القرية وخروج الأهالي منها بعد أن ضاقوا ذرعاً بممارسات الجنود المهينة بحقهم.  شاكراً كذلك الجهود الخيرة التى بذلها الشيخ علي باوزير  والذي تم اغتياله البارحة على أيدي مسلحين مجهولين.

 

 مدير أمن ساحل حضرموت العميد فهمي محروس الصيعري وأثناء لقائه بممثلي عن المُهجرين قال أنه يتفهم قضيتهم وأنه يتفهم كذلك مطالبتهم بحق العودة إلى منازلهم وإبعاد تلك النقطة العسكرية إلى خارج قريتهم ، بيد أنه قال أن اتخاذ قرار مثل هذا ليس من صلاحياته وإنه بحاجة إلى موافقة وزير الداخلية بصورة مسبقة. 

 

فيما أكد  قائد قوات الآمن المركزي بساحل حضرموت العقيد عبدالوهاب الوائلي ، والذي تُسيطر قواته على النقطة ، أنه على استعداد لنقل تلك النقطة شريطة أن يحصل على ضوء أخضر بذلك من قبل اللجنة الأمنية بالمحافظة برئاسة المحافظ خالد الديني ، والأخير متواجد بصنعاء منذ عدة أيام. 

حتى حلف قبائل حضرموت لم يفعل لنا شيء يذكر.

 

ولكن لا يبدو أن الجميع قد تخلى عنهم ، فالدكتور عبدالله بن غوث مدير عام مكتب الصحة بساحل حضرموت عمل على إرسال بعثة طبية لفحص الأهالي وخصوصاً الأطفال منهم، كما أعطى توجيهات لمستشفى غيل باوزير بمعالجة أي حالة من المُهجرين بشكل مجاني. كما أن قيادات في الحراك الجنوبي وفي المجلس الثوري بحضرموت عمدوا على زيارة المُهجرين قسرياً. في محاولة يفسرها الجميع أنها تأتي في مساعي كل طرف لاستغلال القضية لصالحه السياسي ، وهو ما يرفضه أبناء المنطقة الذين أكدوا لكل من زارهم أن قضيتهم إنسانية وليست سياسية ولن يسمحوا باستخدامها سياسياً.

 

يوم التهجير

الخامس عشر من فبراير عام 2014 قُدر له أن يكون يوماً غير عادي بالنسبة لسكان قريبة عبدالله غريب العريقة، فهذا اليوم سيُخلد في ذاكرة أبناء تلك القرية على أنه اليوم الذي أُجبروا فيه على ترك منازلهم قسراً بفعل ممارسات الجنود أللإنسانية بحقهم.  ليكون لسان حالهم مطابقاً للبيت الشعري القائل ( أذا حل الطغاة في أرض قوماً .. فما على القوم إلا الرحيلُ ) .

 

قال أحد المُهجرين في مخيم ثانوية باوزير عن شعوره وهو يُغادر قريته بأنه كان يشعر بأن روحه تُسلب منه وأن عيناه كانت تمتلأن بالدمع قهراً وألما لمفارقته بيته وماله وأرضه. لقد ترك الجميع بيوتهم وأموالهم ولم يخرجوا منها إلا بالقيل. متسائلاً هل يجوز أن تُهجر قرية بأكملها من أجل نقطة أمنية ؟.

 

في ذلك اليوم المشئوم توجه وفد شعبي كبير من أبناء مديرية غيل باوزير والتي تقع قرية عبدالله غريب ضمن أراضيها ، يتزعمهم الأمين العام للمجلس المحلي للمديرية وعدد من الوجاهات الإجتماعيه لكسر الحصار و الضغط على قائد النقطة لإنهاء الحصار وإخراج العائلات وهو ما تم فعلاً . ليتم ترحيل عدد ( 829) شخصاً بينهم (121) طفلاً دون سن الخامسة و(389) سيدة  وحشرهم جميعاً في ثانوية باوزير التي لا تتسع إلا لنحو (800) طالب.

 

مخيم الإيواء

تُعتبر مدرسة الفقيد سعيد عوض باوزير إحدى أقدم وأكبر المؤسسات التعليمية بمديرية غيل باوزير ، ولعل كونها ذات مساحة كبير هو ما جعل اللجنة الشعبية بغيل باوزير تختارها  لتُصبح خياراً مناسب لإيواء المُهجرين قسرياُ. وهذا يعني أيضاً أن العملية التعليمية بالثانوية قد توقفت أيضا.

 

لقد تحولت فصول تلك الثانوية إلى مساحة تتكدس بداخلها الكثير من العائلات والأطفال ، فيما الرجال والشباب وكبار السن اتخذوا من مسجد المخيم مأوى لهم يجلسون وينامون فيه منفصلين عن نسائهم وأطفالهم. يقول سعيد وهو أحد المُهجرين أن الحياة هنا في المخيم صعبة ومملة وأنه بات يشعر بالاشتياق لقريته. ليضيف صديقة قائلاً " صحيح أن قريتنا لا يوجد بها كهرباء أو مياه أو تلفون أو حتى مركز للخدمة الصحية ، إلا أنها تظل أرضنا التي نُحبها ونشتاق إليها". فيما قال شخص ثالث أننا لم نشعر يوما ً بالانتماء لهذه المديرية إلا في هذه الأيام كون أننا كنا في السابق معزولين".

 

يتحصل ساكني مخيم الإيواء بثانوية باوزير على الطعام الذي تُقدمه بعض الجمعيات الخيرية بالتعاون مع اللجنة الشعبية ، كما أن هنالك مخبزين قد تكفلا بتقديم عدد (650) قرص من ( الروتي ) كوجبة مجانية للمهجرين ، وهذا العدد غير كافي فعدد سكان المخيم يصل إلى (829) شخص وهذا يعني أن (179) شخصاً لا يحصلون على تلك الوجبة المجانية، أضف لذلك أن تلك المنحة التي تقدم لن تستمر طويلاً فهي ستتوقف ابتدأ من يوم الجمعة القادم بحسب الاتفاق بين ملاك المخبزين واللجنة الشعبية. كما يُعاني الأطفال وهم بالعشرات من عدم توفر الحليب لديهم ، كذلك نقص في عدد فرش النوم والأغطية. ويُعاني الرجال في المخيم من ندرة الحصول على مياه كافيه للاستحمام والوضوء ، خلاف للسيدات كونهن يقطن في الفصول الدراسية التي تتوفر بجانبها حمامات المخيم.

 

القرية المحرومة

 

يمكن القول أن قرية عبدالله غريب والتي أنشئت قبل عشرات السنين وقبل تأسيس حتى مدينة العيون، ولكنها حُرمت من كل الخدمات التي كان يجب على الدولة أن تقدمها لها أسوة ببقية المناطق، وبدلاً من ذلك نُزعت عنها الامتيازات التي كانت تحصل عليها. ففي عهد ما قبل الوحدة كانت تلك المنطقة يوجد بها العديد من التعاونيات التجارية والفلاحية بالإضافة إلى أن أبناء تلك المنقطة كانوا يحصلون على إصدار بطائقهم الشخصية من نفس القرية ولا يحتاجون للذهاب إلى مراكز المديريات. غير أنه وبعد الوحدة تم إلغاء كل تلك الخدمات عنهم وسحبها. حتى مشاريع الكهرباء والمياه والصرف الصحي وشبكة الاتصالات والإنترنت والمراكز الصحية وغيرها من الخدمات التحتية لا تتوفر بتلك المنقطة بحسب تأكيدات الأهالي.

 

وكبقية مناطق حضرموت تعرضت القرية للعديد من الأضرار بسبب كارثة فيضانات عام 2008 وتضررت الكثير من المنازل جراء تساقط الصخور من الجبال عليها بفعل الأمطار. ولكن وحتى اليوم والليلة لم يتم تعويض أحد من أبنائها.

 

إياكم والاستخفاف بنا

يقول الأستاذ عبد الحكيم بن هاوي رئيس اللجنة الشعبية أنه ومن خلال متابعته يشعر بأن هنالك استخفاف بقضية المُهجرين وعدم جدية في معالجتها، وأنه سمع أحد القادة العسكريين وهو يشعر بالغضب بسبب عدم تفرق المُهجرين بين أقاربهم وقيامهم باتخاذ ثانوية باوزير ملجأ إيواء لهم.

 

وأتهم بن هاوي الجنود بأتخاد أبناء قرية عبدالله غريب كدروع بشرية يتمترسون خلفها. داعياً السلطات إلى ضرورة العمل الجدي وبشكل سريع على معالجة قضية المُهجرين من أبناء عبدالله غريب وكذلك المُهجرين من أبناء مديرية الشحر الذين نزحوا عن منازلهم قسراً بسبب أحداث معسكر العليي. مجدداً رفضه لقيام بعض الجهات باستغلال هذه القضية الإنسانية وتحويلها إلى قضية سياسية. وهو الرفض  الذي يُشاركه به المُهجرين قسرياً عن منازلهم. والعمل على منع الناس من الشعور باليأس في إيجاد حلول من قبل اللجنة الأمنية بالمحافظة ، وإلا فأنها ستتحمل كافة المسئولية عما يحدث وسنضع أيدينا بأيدي المُهجرين من أبناء الشحر وقد تحدث أشياء نتمنى إلا نصل إليها.

 

كلمة المحرر

ما يؤلم في قضية المُهجرين قسرياً من أبناء حضرموت سواء أكانوا من أبناء عبدالله غريب أو من أبناء الشحر هو أن لا أحد من رجال الدين والساسة الحضارم الذين رأيناهم يتباكون على مُهجري قرية دماج الشمالية ، ولا يتباكى على تهجير أبناء جلدته وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء. 

 

أما السلطة المحلية بحضرموت ورغم محاولتنا التواصل معها  إلا أننا فشلنا في ذلك ، فمحافظ حضرموت مسافر وأمينه العام السيد صالح العمقي لا يرد على اتصالاتنا رغم أنه كان بيننا موعد سابق.

 

هنالك جمعيات خيرية قدمت مشكورة دعم للمُهجرين من أرضهم من أبناء حضرموت ولكن ذلك الدعم ليس كافياً فالأطفال يحتاجون للحليب ، كما أن مخزونهم من الطعام بات على وشك النفاذ. فيما لا يلوح في الأفق حتى الآن أي بوادر لحل قضيتهم. وهم بأمس الحاجة لمد يد العون لهم. بالإضافة إلى أن استمرار قضيتهم لن يؤثر فقط عليهم بل كذلك على نحو قرابة الألف طالب الذين يتلقون تعليمهم في ثانوية باوزير كون الدراسة باتت معطلة في الثانوية منذ أن تم إسكان المُهجرين فيها. 

 

كل ما يطلبه أولئك البسطاء هو فقط العيش في أمان بقريتهم من خلال أبعاد النقطة الأمنية عن منطقتهم . فهل هذا كثير عليهم ؟