"حين نحتاج أن نُصغي لبعضنا"

2025-10-09 11:09

 

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج أن نُصغي لبعضنا بصدق، أن نتحاور بلا أقنعة، وأن نعيد ترتيب علاقتنا ببعضنا البعض على قاعدة الفهم والاحترام، لا على مقاسات الاصطفاف والانقسام.

لقد استهلكتنا الشعارات، وابتلعنا التسويق الإلكتروني والسياسي حتى غاب صوت العقل وتاهت البوصلة.

نعيش وسط زحام الكلمات، لكن القليل منها فقط يخرج من القلب ويصل إلى العقل . نختلف حتى على ما يجب أن يجمعنا، و نستعيد ماضينا لا لنتعلم منه، بل لنتقاتل حول تفاصيله. والمفارقة أن هذا الماضي، على قسوته، كان يحمل من الصدق والبساطة ما نفتقده اليوم.

فكم من مرةٍ اختلطت فيها النوايا بالنيات، والحقائق بالعناوين، حتى بات الطريق إلى الفكرة الواحدة محفوفًا بالشك والظنون!

إن اللحظة التي نمر بها تستدعي وعيًا جديدًا، لا شعارات جديدة.

تستدعي أن نقرأ التاريخ بعينٍ ناقدة لا ناقمة، وأن نستلهم منه ما يعيننا على البناء لا الهدم . فالتجارب لا تُورّث إلا لمن يفهمها ، و المستقبل لا يُبنى إلا بسواعد من آمنوا أن التغيير لا يصنعه الغضب وحده ، بل الفهم والعمل والعزيمة المشتركة . نحن بحاجة إلى التقاء العقول قبل الأيدي، إلى وعيٍ يرى في الآخر شريكًا لا خصمًا، وإلى مشروع وطني حقيقي لا يتغذى من المنصات، بل من ضمير الناس وإرادتهم.

و إن كل ما مرّ بنا من وجعٍ وصراعاتٍ و انقساماتٍ ، ما كان إلا نداءً خفيًا يدعونا إلى أن نراجع أنفسنا قبل أن نحاكم غيرنا.

فما أحوجنا اليوم إلى لحظة صدقٍ نقف فيها أمام المرآة ، لا لنتباهى، بل لنتساءل:

هل فعلًا نعرف إلى أين نمضي؟ وهل ما زال فينا متسع للإصغاء لا للتبرير؟

إن استعادة البوصلة لا تكون في ضجيج الخطابات، بل في الهدوء العاقل الذي يدرك أن الوطن أكبر من النزاعات، وأن بناء الوعي هو الثورة الأعمق التي لم تبدأ بعد.

المحامي/جسار فاروق مكاوي

عدن أكتوبر 2025م .