"اجعل أهدافك واضحة أمام الجميع مهما كانت ردود الفعل المعارضة، وبغض النظر عن ذلك سيظهر الأعداء من جحورهم، فمن الأفضل أن يخشوا يقينك بدلًا من استغلال ترددك".
في عالم السياسة المعقد والمليء بالتحديات، يصبح الوضوح في الرؤية وتحديد الأهداف عاملًا حاسمًا للقيادة الناجحة. خاصة في السياق الجنوبي العربي، حيث تتشابك المصالح المحلية والإقليمية، ويعج المشهد بتقلبات مستمرة وصراعات متشابكة. القيادة الواثقة التي لا تخشى إعلان أهدافها بثبات، كي تضع أساسًا صلبًا يمكن من خلاله بناء دولة مستقلة تسودها العدالة والسيادة. هذا الوضوح ليس مجرد خيار إداري، بل هو أداة استراتيجية تحقق التوازن بين الداخل والمتغيرات الخارجية، وتمنح المشروع السياسي قوة ردع وثقة متجددة.
الوضوح في تحديد الأهداف وإعلانها يبرز كعامل حاسم لنجاح أي مشروع سياسي. القيادة الناجحة لا تكتفي بصياغة رؤية داخلية فحسب، بل تتحلى بالجرأة لجعل هذه الرؤية علنية، بغض النظر عن طبيعة ردود الفعل المتوقعة. هذا الوضوح ليس مجرد أداة إدارية، بل استراتيجية سياسية تعزز الثقة الداخلية وتحدد ملامح العلاقة مع الأطراف الخارجية، سواء كانت داعمة أو معارضة.
إن إعلان الأهداف الجنوبية في الاستقلال وجعلها جزءًا من سرديات القيادة اليومية يحمل في طياته بوضوح قوة رمزية وعملية. ففي بيئة سياسية مشحونة كالصراع الجنوبي/اليمني، حيث تتداخل المصالح المحلية والإقليمية، يصبح التردد في الإفصاح عن التوجهات الاستراتيجية بمثابة نقطة ضعف يمكن لأعداء مشروع الجنوب استغلالها.
على العكس من ذلك، فإن القيادة التي تتبنى الشفافية في طرح أهدافها، سواء كانت متعلقة بتعزيز مسيرة الاستقلال وبناء مؤسسات دولة على أسس صحيحة، على طريق استعادة السيادة، ترسل رسالة قوية إلى الشرعية والحوثي في الداخل، وإلى القوى الدولية في الخارج. هذه الرسالة لا تعكس الثقة فحسب، بل تفرض على الأطراف المعارضة التعامل مع واقع جديد يقوم على اليقين بدلًا من التخمين.
من الطبيعي أن يؤدي الإعلان المتكرر والواضح عن الأهداف إلى كشف الخصوم وتحديد مواقفهم. لكن هذا الكشف ليس عيبًا، بل ميزة استراتيجية. فالأعداء، سواء كانوا داخليين أو خارجيين، سيظهرون بغض النظر عن درجة الوضوح أو التكتم وهو ما يسهل التعامل معهم. الفرق يكمن في أن القيادة الواثقة تجبر هؤلاء الخصوم على مواجهة موقف ثابت ومحدد، مما يقلل من قدرتهم على استغلال الغموض أو التردد. في هذا السياق، يمكن القول إن اليقين الاستراتيجي هو أداة ردع بحد ذاتها، إذ يجعل القوى المعارضة تتعامل مع قيادة تدرك ما تريد وتعلنه دون مواربة.
لذلك، تتطلب إدارة عدن، كمركز سياسي واقتصادي للجنوب، من القيادة أن تدرك أهمية هذا الوضوح في سياقها المحلي. فعلى سبيل المثال، تحديد أولويات مثل إعادة إعمار البنية التحتية، أو تعزيز الأمن والقانون، أو تطوير آليات الحكم يحتاج إلى خطاب سياسي واضح يحدد الأهداف قصيرة وطويلة الأمد. هذا الوضوح لا يقتصر على التواصل مع الشعب الجنوبي، الذي يتطلع إلى رؤية ملموسة للمستقبل، بل يمتد إلى التفاعل مع الأطراف الإقليمية والدولية التي تراقب المشهد الجنوبي بحذر.
القيادة التي تختار الوضوح كمنهج استراتيجي لا تخشى ردود الفعل، بل تستثمر فيها لتعزيز موقعها. فاليقين في الرؤية والثبات في التنفيذ هما ما يميزان القيادة القادرة على قيادة شعبها نحو تحقيق طموحاته، حتى في خضم التحديات. والجنوب العربي، بتاريخه النضالي وموقعه المحوري، يستحق قيادة تجسد هذا اليقين، ليس فقط في كلماتها، بل في أفعالها التي ترسم ملامح المستقبل.