عدن والجنوب: هدوء زائف ينذر بانفجار لا سلمي

2025-07-12 06:11

 

في وقت يئنّ فيه الجنوب بشكل عام ،  ومدينة عدن على وجه الخصوص، تحت وطأة أزمات معيشية خانقة وخدمات متردية وصلت إلى الحضيض، يرتسم في الأفق تحذيرٌ لاذع وواقعي، يجب على الجميع أن يعيه قبل فوات الأوان. فمن يراهن على أن صبر الشعب سينفد ليُخرج في مظاهرات سلمية للمطالبة بالخدمات وحقوق العيش الكريم، انما هو في الحقيقة يعيش في وهم كبير وسوء تقدير فادح للواقع.

 

لقد تجاوزت الجماهير العدنية والجنوبية بشكل عام مرحلة المظاهرات والمطالبات السلمية منذ أمد بعيد. فمنطق الأمور يرفض تماماً أن شعباً عانى الأمرين، وتجرّع مرارة الفقر والحرمان والقهر لعقود، ثم ازداد عذابه في السنوات الأخيرة ليبلغ ذروته، يصبر كل هذا الصبر، ويتحمل كل هذا الألم بصمتٍ مطبق، ثم يقرر فجأة أن يخرج في مظاهرات "سلمية" للاحتجاج. فهذا ليس منطقاً يقبله عقلٌ سليم.

 

إن الشعب الذي لم يخرج في مظاهرة سلمية واحدة، رغم سهولة الأمر عليه من الناحية البدنية والعملية، خلال سنوات عجاف من انقطاع الكهرباء الذي يلفّ المنازل بظلام دامس لأكثر من 20 ساعة يومياً، وحرمان المياه الذي يجعل الحياة جحيماً، وتدهور الخدمات الصحية التي حولت المستشفيات إلى مجرد أقبية للموت، وانهيار التعليم الذي يهدد مستقبل الأجيال، وتآكل الرواتب التي لم تعد تسد رمق الجوع، وتفشي البطالة التي تقتل الأحلام، وتدني الكرامة الإنسانية التي باتت تُداس تحت أقدام الأزمات؛ فمثل هذا الشعب تحديداً من المستحيل أن يفكر في الاحتجاج السلمي الآن أو لاحقاً.

 

إن صمت هذا الشعب ليس دليلاً على الرضا، ولا على اللامبالاة، ولا على العجز المطلق. بل هو صمتٌ ثقيل، صمتُ بركانٍ يغلي تحت السطح، صمتٌ يشي بنفاد الصبر إلى أقصى حدوده، صمتٌ يعدّ العدة لانفجار مدوي لن يكون سلمياً بأي حال من الأحوال. فالشعب الذي اعتاد على القهر، وتمرّس في تحمل صنوف الويل، لن يخرج ليُطالب بحقوقه بيافطات وهتافات هادئة بعد كل هذه السنوات من الصبر الخارق.

 

إن من يظنون أن هذا الهدوء هو علامة على استيعاب الشعب للمعاناة أو تقبله للأمر الواقع، هم في غفلة تامة عن حقيقة ما يدور في أعماق النفوس. فالضغط يتراكم، والقهر يتجذر، واليأس يبلغ مداه، وكل هذه العوامل تتجمع لتشكل كتلة لهب قابلة للاشتعال في أي لحظة. وعندما تنفجر هذه الكتلة، لن تكون مظاهرات منظمة أو مطالب محددة، بل ستكون فورة غضب عارمة، انفجاراً غير مسبوق، لا يعرف قيوداً ولا ضوابط، وقد يأكل الأخضر واليابس وسيختلط فيه الحابل بالنابل.

 

لقد استنفد الشعب كل طاقاته في التحمل والصبر، ولم يتبقَ في جعبته إلا الغضب الخام، واليأس الذي يولد العنف. فمن لم يتمكنوا من قراءة هذا الواقع بوضوح، ومن يراهنون على استمرار هذا الهدوء المضلل، عليهم أن يستعدوا جيداً لتحمل تبعات ذلك الانفجار القادم. وهذه ليست نبوءة متشائمة، بل هي قراءة واقعية ومنطقية لمسار الأمور، وتحذيرٌ أخير قبل أن تبلغ الأوضاع نقطة اللاعودة، حيث لا ينفع حينها ندم ولا يستدرك فوات الأوان. والكرة الآن في ملعب من يملكون زمام الأمور، فإما أن يستفيقوا ويتحركوا لانتشال الناس من جحيم العيش، أو ينتظروا عاصفة لا تُبقي ولن تذر.