"الفساد نواة الهزيمة"
ليست الحروب وحدها من تهزم الأوطان، بل تلك الهزائم التي تتسلل بصمت إلى أعماقها، حين يتحول الفساد من جريمة إلى عرف، ومن استثناء إلى قاعدة، فالدولة التي تخسر معركتها الأخلاقية، لا تحتاج إلى عدوٍ يحاصرها، فقد تكفلت يدها بهدم أركانها قبل أن تصل إليها أي يد أخرى.
العدو الخارجي لا يستطيع أن ينال من دولة متماسكة، قائمة على مبادئ راسخة، لكن عندما يتسلل الفساد إلى أروقة الحكم، ويتحول إلى لغة سائدة، فإن الأعداء يظلون على أبوابها، منتظرين لحظة الانقضاض، فالفساد هو العدو الذي يفتح الأبواب لكل من يطمع، ويجعل من داخل الوطن نقطة ضعف يصعب إصلاحها
لذلك، يمكننا القول إن المؤسسات التي تلتزم الصمت أمام الفساد، متغاضية عن تكرار جرائم المفسدين، لا تزرع في أرضها سوى بذور الهزيمة، فالسكوت المطول، مع تزايد المساحات التي ينمو فيها الفساد، يشل قدرة الدولة على الوقوف أمام تحدياتها الداخلية والخارجية، إنه وباء لا يقتصر أثره على دمار معين، بل يتسرب إلى جميع أجزاء الدولة، ليخلق بيئة خانقة يغيب فيها النجاح، وتندثر فيها العدالة والنظام، وبهذا الصمت تبتعد الدولة شيئًا فشيئًا عن قدراتها، وتنحدر نحو الانهيار التدريجي الذي يعم الجميع.
في النهايه، الدولة التي تحارب الفساد وتحاسب المفسدين، هي الدولة التي تبني الحصون التي لا تنكسر، أما تلك التي تغض الطرف عن فسادها، وتختار الصمت على فسادها، هي الدولة التي تزرع الهزيمة في أرضها قبل أن يزرعها الأعداء.