الاعتذار فعل إنساني لا يصدر إلا عمن توفرت لهم الشجاعة الأدبية والأخلاقية، وهو اعتراف صريح بالذنب او الخطأ المقترف بحق الآخر، ولا يتوقف عند القول به بل يتطلب الأمر إجراءات حقيقية تتبعه تتمثل في التحلل من الذنب بإعادة الحق لأصحابه .
ولا يعتبر الاعتذار نافذاً بمجرد صدوره فذلك أمر متوقف على قبول الآخر به من عدمه.
اعتذار حكومة الوفاق الوطني للجنوب، جاء من غير ذي صفة؛ إذ إن هذه الحكومة تم تشكيلها لمقتضيات المرحلة الانتقالية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي أوضحت مهامها، ولم يكن لها أدنى علاقة بحرب صيف 94 – حتى وان كان رئيسها وزيراً لخارجية الحرب وقتذاك- التي شنتها القوى السياسية والتقليدية والقبلية والدينية ضد الجنوب فيما بات يعرف بتحالف 7يوليو الذي لم يكن شمالياً خالصاً، حيث تم بمعية أدوات جنوبية .
وكان حرياً بهذه الحكومة ألا تحشر أنفها في قضايا سياسية أكبر منها، وأن تتفرغ لملاحقة المعتدين على خطوط الطاقة وأنابيب النفط، وان تكشف للشعب عن المسؤولين المباشرين عن الاغتيالات التي تستهدف الكوادر العسكرية والأمنية.
الاعتذار البائس الذي أعلنته حكومة المناصفة يعد خطيئة بحق الجنوب لا تقل عن خطيئة الحرب، وشابه كثير من المغالطات للحقائق الهادفة إلى تغييب الحق والإمعان في الإساءة للجنوب الذي بات اليوم أكبر من أن توجه له الإساءات من قبل أصحاب الخسة الإنسانية المنتشرين في كل زمان ومكان، ويواصل أبناؤه شق طريق الحرية والتحرير المعبد بدمائهم الزكية وتضحياتهم الجسام.
حكومة الوفاق الوطني، لم تكتف بالاعتذار نيابة عن الحكومات السابقة باعتبارها وريثاً شرعياً لها، بل تمادت في تنصيب نفسها متحدثاً رسمياً للقوى والأطراف التي أعلنت الحرب وشاركت فيها ومارست كل أساليب الاحتلال في الجنوب، وذهبت لتعتذر نيابة عنهم، ويُفهم من ذلك أن تلك القوى التي مازالت فاعله في المشهد السياسي والاجتماعي اليمني لم تتوفر لديها النوايا الحسنة تجاه الجنوب؛ على الرغم من حضورها في مؤتمر الحوار الوطني، وهو حضور من أجل الحفاظ على ذاتها ولإعادة بناء تحالفاتها السابقة، دون أن يتعداه لأي استحقاقات وطنية جامعة.
الاعتذار جاء للمحافظات الجنوبية كمسمى إداري تابع للجمهورية اليمنية مثلها مثل صعدة وحرف سفيان وغيرها من المناطق المتضررة، بينما نصت النقاط العشرون التي أقرتها اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني، والنقاط الإحدى عشرة التي تقدم بها فريق القضية الجنوبية كتدابير وإجراءات لبناء الثقة، على الاعتذار للجنوب، وهو هنا كيان سياسي ندي وشريك فاعل في المشروع السياسي للوحدة الذي قضت عليه الحرب.
اعتذار حكومة الوفاق الوطني بصيغته الرثة لا يساوي الحبر الذي كُتب به، وهو أقل من أن يستحق المساحة التي حجزها له الإعلام الرسمي للاحتفاء به؛ لكنه إهدار الوقت والمال الذي تمارسه تلك الحكومة دون أن نلمس لها أثراً على حياة الناس.. واعتذاركم مردود عليكم، فهو لا يعني الجنوب في شيء وكفى.