لحرب صيف 94 العدوانية الظالمة التي شنها نظام7 يوليو وتحالفه الشهير على الجنوب كثير من الأهداف التي سعى لتحقيقها, لعل أهمها ليس بسط النفوذ على الأرض والسيطرة على المقدرات والثروة، والقضاء التام على كل ماله علاقة بالإرث السياسي والثقافي والاجتماعي والمدني لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وطمس معالم الجغرافيا وتزييف التاريخ والعبث بالهوية الوطنية، بل هناك ما هو أهم، والمتمثل في محاولة كسر ارادة الناس وضرب ثقتهم في أنفسهم.
هذا الهدف الذي سخر نظام يوليو كل امكاناته لتحقيقه، مستخدماً كل الوسائل من بينها المكنة الإعلامية التي ما فتأت تنال من الجنوب ودولته ورموزها الوطنية، بل وعملت على إحياء الصراعات الجنوبية في تناولاتها المسمومة، ونبش المقابر إذا تطلب الأمر – كما حدث في مقبرة الصولبان.
تدرك الأنظمة القمعية جيداً معنى كسر إرادة الجماهير واضعاف ثقتها في نفسها، من خلال تعزيز حدة الصراعات على طريق اشغالها ببعضها وصرفها عن التعاطي الايجابي مع مجريات الأمور العامة ليسهل عليها تمرير مشاريعها الذاتية الهادفة إطالة أمدها في التحكم بمصير الجماهير واخضاعها لمختلف السياسات النابعة من ذات الطاغية ومصالحه وحاشيته.
لقد تحققت للمخلوع صالح ونظامه وتحالفه كل الأهداف المتوخاة من حربه على الجنوب، إلا هدف كسر إرادة الجماهير، التي أريد لها أن تقبل الواقع المفروض عليها أو تحاول القبول به، وأي محاولة خارج هذه المعادلة تضع صاحبها في مواجهة مباشرة مع مقصلة النظام. فقد عبرت الجماهير منذ وقت مبكر عن رفضها للواقع الجديد، وحافظت على ارادتها صلبة كما هي، وطوّرت من أشكالها النضالية لتخرج في 7يوليو 2007 كاسرة حاجز الخوف الذي ألقى بظلاله على إرادة البعض.
لعل أجمل ما صنعته الإرادة الجماهيرية الجنوبية، هو نبذها لثقافة الفرقة والمناطقية وتجاوزها لعقدة صراعات الماضي في مراحل متقدمة من نضالاتها ضد واقع الغزاة؛ بوصفه سلاحها الأنجع ضد محاولات كسرها.
ما كان لقضية الجنوب أن تحقق هذا الحضور السياسي والإعلامي والحقوقي، ومن قبلها الالتفاف المجتمعي الواسع حولها والإيمان بها وبعدالتها، لولا التضحيات التي اجترحتها الجماهير على قاعدة القبول بالآخر ونبذ ثقافة الكراهية والمناطقية وتجاوز صراعات الماضي السياسية التي يُراد للجنوب أن يظل أسيراً لها في مختلف مراحله ومنعطفاته.
واقع الجنوب اليوم، يكشف حقيقة التراجع عن تلك القواعد التي انتهجها الحراك الجنوبي في نضالاته، وبات التخوين ورفض الآخر و تصنيفه مناطقياً وفق تصنيفات مرحلة من تاريخ الصراع السياسي الماضوي، وتلك نوافذ مفتوحة تستطيع الكراهية أن تقفز من خلالها لضرب كل ما تحقق.
من وجهة نظري المتواضعة جداً، يظل التحدي الأكبر اليوم أمام ابناء الجنوب بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، هو كيفية الحفاظ على ما تحقق من مكاسب حالت دون كسر إرادة الجماهير في المراحل والأوقات الصعبة.
عجزت حرب صيف 94 وبعدها حرب 2015، عن كسر إرادة الجماهير وثقتها في نفسها، فهل تنكسر الإرادة بأيدي أصحابها؟