الاعتذار بعده فضيلة اخلاقية ثقافية اجتماعية ليس له معنى او قيمة الا في سياق علائقي اجتماعي تفاعلي بين الفاعلين الاجتماعيين من الناس البشر الأحياء الساعيين في سبيل حياتهم ,ولا يستقيم الاعتذار الا بتوافر عناصره الاساسية واهمها:
- وجود طرفين او عدة اطرف من الافراد او الجماعات حدث بينهم احتكاك وتفاعل واشتباك بهذا القدر او ذاك
- ان يكون احد الاطراف قد ارتكب خطأ او اضر بالأطراف الاخرى .
- ان يعترف الطرف المرتكب للخطأ بجدارة وقيمة وأهلية وحق وكرامة الاطراف التي اضرها
- ان يشعر الطرف المرتكب للخطأ بالندم والخجل مما ارتكبه او ما يسمى بتأنيب الضمير تجاه
- من اخطأ بحقهم , وان يبرهن على صدق هذا الشعور بسلسلة من الاجراءات والخطوات العملية المباشر المحسوسة الملموسة في افعاله ومواقفه وسلوكه تجاه الطرف او الاطراف المقصودة بالاعتذار, وهذا ما يسمى بعملية اعادة بناء جسور الثقة بين الطرفين المعنيين بالاعتذار .
- ان يكون الخطأ المرتكب بحق الاخرين من النوع الذي يقبل الاعتذار والأسف, بسيط وعابر وغير ضار كأن تكون ماشي في الطرق مزحوم ودحشت بشخص ما بدون ارادتك يلزمك ان تقول له : عفوا , المعذرة , انا أسف جدا , سامحني ... الخ
ان يكون الخطأ المرتكب بحق الغير لا اراديا وغير مقصود بذاته .
ان يكون الطرف المقصود او الاطراف المقصودة بالاعتذار موافقة ومقتنعة وراضية بسلامة طواياك وحسن نواياك تجاهها ومتقبلة للاعتذار بإرادتها الحرة بدون أي ضغط او اكراه .
ان تكون الاطراف المقصودة بالاعتذار في وضع يسمح لها بالاختيار او الرفض بكامل حريتها .
وربما تكون هناك شروط وعناصر اخرى يجب توافرها في مثل هذا الحال ,
اما حينما تكون الاخطاء المرتكبة فادحة وأضرارها جسيمة كما في يحدث في حوادث الاصطدام بين الحافلات بالخطأ او القتل الخطأ او غير ذلك فثمة اجراءات معروفة حتى يكون الاعتذار .
اما فيما يتردد هذه الايام من هرج ومرج بشأن نية حكومة صنعاء الاعتذار لشعب الجنوب جراء ما ارتكبته بحقه من جريمة حرب التكفير والاحتلال منذ عشرين عام , ولأهل صعدة في الشمال جراء الحروب التي حدثت هناك , ما يتردد من كلام بهذا الشأن فإنما يدل عن مدى ما بلغته صنعاء وقواها التقليدية المهيمنة القديمة والجديدة من تردي وانحطاط وسوء حال في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية , ويشير الى حقيقة ما يمكن ان يتمخض عنه موفنبيك الحوار !!!!
هذا الهراء الصادر عن حكومة المستخدم المأمور البكاء سندوه , تحت مسمى الاعتذار الذي يحتاج هو الى من يعتذر عنه بما جاء فيه من استخفاف وإهانة وقل اعتبار بل واحتقار للأطراف المقصودة منه لا سيما شعب الجنوب الثائر وأهل صعدة المقاومة !!!!
الاعتراف قبل الاعتذار :
اقصد بالاعتراف هنا . الانسان وحقوقه الاساسية الجديرة بالتقدير والقيمة والاهلية والاحترام والتقبل بعكس الاستبعاد والإنكار والتهميش والإذلال ولازدراء والاهانة والاحتقار والاستصغار وتلك هي المشكلة الجوهرية التي يتم المرور عليها مرور الكرام ويرى عالم الاجتماع الالماني المعاصر وكبير منتقدي اجراءات الوحدة الالمانية اكسل هونيت في كتابه , المهم النضال من اجل الاعتراف , "ان الكثير من النزاعات الاجتماعية والسياسية التي وجدت والموجودة اليوم ربما تجد اسبابها في مسألة الاعتراف , حتى تلك التي تهدف الى توزيع الخيرات والثروات والتي تبدو وكأنها مجرد وسائل وادوات , يجب فهمها بوصفها نزاعات معيارية , او صراع من اجل الاعتراف "
ويأتي ذلك من الطبيعة البشرية والحاجة الاجتماعية للاندماج اذ اننا_ البشر _ اشخاص في غاية الحساسية ونتألم للطريقة التي يتعامل وينظر بها المجتمع معنا والينا , وحاجة الانسان الاعتراف هي الرغبة الاكثر التهابا في الذات الانسانية ولا يوجد شخص سوي يستطيع العيش في المجتمع بدون اشباع هذه الحاجة بطريقة او اخرى ولا يوجد ثمن نحن غير مستعدين لدفعه لكي نحظى بهذا الاعتراف , (ولقد تخلى البشر بإرادتهم غالبا عن الحياة وذلك في سبيل امور تتصل بالكرامة والشرف والشعور بالذات والسمعة الحسنة )
وبهذا المعنى كتب الفيلسوف الالماني الشهير هيجل , نظريته الحرية صراع من اجل الاعتراف .
ان المشكلة الحقيقة التي تبدو كل المشكلات الاخرى ازاءها بسيطة التي تقع في الجذر هنا هي مشكلة الاعتراف , فما قيمة اعتذار الجلاد للضحية ان لم يعترف به اولا وقيمته وكرامته وحقوقه , وما قيمة اعتذار.