بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية تنبأ الكثيرون بأننا سنعيش في عصر الاسلام السياسي ممثلاً بالإخوان المسلمون, واتفق الجميع أن عهدهم سيستمر لعقود, واختلفوا في تقديرها, لم يكن يتصور أحد أن يتم اسقاط حكم الإخوان في موطنهم الأصلي بهذه السرعة وعبر تغيير ثوري.
استسلمت القوى السيارية واللبرالية – العتيقة - لقدرها المحتوم, وأقنعوا أنفسهم بأنه لا مفر من عدة عقود اسلامية بحسب فهم الإخوان للإسلام, وأعدوا أنفسهم لسبات طويل.
لم يدرك الكثير أن هناك متغيرات هائلة في العقدين الماضيين ساهمت الى حد بعيد في التعجيل بعملية التغيير المتمثل بالثورات العربية الأخيرة, اضافة الى أنها كانت حائلاً أمام استنساخ أنظمة مشابهة في المضمون مختلفة في الشكل.
الثورة التكنلوجية الرقمية الهائلة والسرعة الفائقة في تناقل الأخبار والوسائط ساهمت بشكل اساسي في اختصار الزمن بكل ما للكلمة من معنى, فقبل عقود لم يكن يعي المواطن سلبيات النظام الجديد الا بعد سنوات من حكمه ان لم يكن عقود, بسبب سيطرة الأنظمة على وسائل الاعلام المختلفة, ولو وصل الاخوان الى السلطة في الخمسينات أو الستينات لما تمكن الشعب المصري من اسقاطهم الا بعد عقود طويلة ان لم يكن قرون.
المتغير الآخر هو جيل الشباب الذي يفكر بطريقة مختلفة عن الأجيال السابقة, معتمداً على افكار جديدة خلاقة غير تقليدية, متأثراً بالعولمة وتلاقح الأفكار عبر الشبكة العنكبوتية.
أطلق شاب اسمه محمد عبدالعزيز فكرة حركة تمرد لمجموعة من زملائه امثال محمود بدر, واشتغلوا على الفكرة معاً, وبدأت بجهود ذاتية شخصية بسيطة, تمكنوا من جمع عشرات الآلاف من التوقيعات, بسبب بساطة الفكرة وجرأتها, و ضيق العيش الذي وصل اليه المواطن المصري مما دفعه للتوقيع على وثيقة تمرد, عندها التقطت القوى اليسارية واللبرالية الحركة وأفسحت لها المجال في منابرها الإعلامية, معتقدين انها مجرد حركة شبابية جديدة ستساهم في دعم جهودهم في معارضة حكم الإخوان, لكنهم لم يكونوا يتصوروا أن تلقى كل ذلك الالتفاف الشعبي, وتكن عنوان التغيير لاحقاً, وعندما وصلت الأرقام الى المليون الأول تنبهت تلك القوى وعرفت أنها أمام تيار جارف اضطروا للالتحاق به تاركين القيادة للشباب.
تكاتفت الجهود, وتعاون كل خصوم الإخوان, وتقاطعت مصالحهم, لإسقاط النظام, وسقط نظام الإخوان في فترة قياسية لم يكن يتصورها أكثر المتفائلين بالتغيير.