نحن لا نتحدث هنا عن الدكتور رشاد العليمي كإنسان ولا كمواطن يمني، بل كرئيس لمنظومة "الشرعية الجديدة" التي أتـى بها اتفاق لم يعلم به اليمنيون إلا يوم إعلانه، وربما لم يعلم به العليمي نفسه ولا رفاقه في القيادة، وهذا ليس موضوعنا.
كما إننا نتحدث عن رئيس لفريق تم اختياره للتخلص من شرعية هادي ومحسن البائسة بعد محاولة دول التحالف العربي تثبيت هذه الشرعية لكنها لم تبذل جهدا يسيرا لتحرير قرية واحدة تقيم عليها شرعيتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي سيفعله رشاد العليمي وزملائه أعضاء مجلس الرئاسة مما لم يفعله الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر؟ بل ما الذي يمتلكه رشاد العليمي من إمكانيات لم تتوفر لهادي وعلي محسن طوال 8 سنوات من هيمنتهما على "الشرعية"؟
قبل مناقشة هذا السؤال ومحاولة الإجابة عليه، لا بد من التنويه أن تقييم فترة حكم الرئيس هادي لليمن يستدعي وقفة خاصة وربما تحليل مطول وواسع لكل تعقيدات هذه الفترة الحساسة والمعقدة، لكن الحقيقة الصارخة، أن الرئيس هادي لم يكن هو الحاكم الفعلي للبلاد بل كان موظفا عند قوم آخرين بدرجة رئيس جمهورية، أو كما قلت مراراً إن هادي كان رئيسا لبلاد ليست بلاده أصلا، ولا أهلها أهله وبالتالي فإن أية مآخذ على فترة حكمه ينبغي أن تأخذ بالحسبان كل تلك الاعتبارات، ومع ذلك فلا يمكن إعفائه من بعض الأخطاء والانتكاسات التي كان بإمكانه الحؤول دون حدوثها خلال السنوات العشر الماضية.
الدكتور رشاد العليمي، لم يأت من أحد مراكز البحث العلمي أو من إحدى الدوائر التكنولوجية الصناعية أو إحدى المنظمات الدولية، ولم يكن معارضا أو حتى محايدا إزاء الصراعات السياسية اليمنية طوال العقود الأربعة المنصرمة، بل هو تلميذ وفيٌ للمدرسة العفاشية الأحمرية، وظل منذ تخرجه من الجامعة والتحاقه بالعمل الأمني والاستخباراتي مخلصاً لمنظومة عفاش-الأحمر، سواء وهو كادر تنفيذي صغير في وزارة الداخلية أو حينما صار وزيرا للداخلية، فنائبا لرئيس الوزراء ورئيسا للجنة الأمنية.
لن أتناول هنا كل المواقف والجرائم التي شارك فيها الدكتور العليمي خلال فترة حكم عفاش وكان مسوقا رئيسيا لها ومدافعا عنها بشراسة أحيانا وبنعومة في الغالب الأعم، فقد أشرت لها في أكثر من مناسبة، ولست راغبا في تكرار المكرر، لكنني سأتناول هنا الفرص المتاحة أمام الرجل ليثبت اختلافه عن أسلافه وبالضبط عزمه الجاد على التخلص من مكبلات الماضي البغيض الذي نشأ في ظله وارتبط بكل مساوئه، واختيار منهاجية جديدة للسير على درب مختلف عن دروب أسلافه التي قادت إلى الكوارث والفشل، أو استمراره في التمسك بنهجهم وبالتالي السير على طريق الفشل والإخفاق الحتمي الذي ساروا عليه.
والأمر الذي لا بد من تأكيده هنا هو أن اليمن ليست بلداً فقيراً كما يروج إعلام الطغاة، ولا هي بلدٌ عاجزٌ عن توفير عوامل النماء والاستقرار والنهوض، فهي تمتلك كل مقومات ذلك وتتفوق على نظيراتها العربيات بعدد من الممكنات كالثروة البشرية والتنوع المناخي والبيئي والتضاريسي وتنوع مصادر الثروة وغيرها من مسببات الاستقرار والنهوض، أما لماذا تأخرت اليمن عن شقيقاتها وتقهقرت إلى الدرك الأسفل من التخلف والتراجع والانهيار، فهذا لا يعود إلا إلى الأسباب الذاتية التي تكمن في سوء الإدارة وتكريس عقلية الهيمنة والاستبداد وتنمية ثقافة الفساد والإفساد وتحويلها إلى ثقافة بديلة لثقافة التنمية والتقدم والنهوض بالأرض والإنسان، وهذا ما يحتاج إلى بحث مطول يمكن التوقف عنده في سياق آخر.
لم تنجح شرعية عبدربه وعلي محسن في هزيمة الحوثيين ولم تحرر مديرية ولا قرية واحدة، بل سلمت المديريات والمحافظات التي حررها أهلها- سلمتها للحوثيين بدون أدنى مستوى للمقاومة عدا مقاومة الأهالي وفدائيتهم التي لم تتمكن من الصمود أمام جيش الحوثيين ومليشياتهم المدعومة من إيران بكل الوسائل التقنية والفنية والبشرية.
ولم تنجح شرعية هادي وعلي محسن في إرسال أية رسائل إيجابية لأبناء الجنوب بعد أن هزموا لها عدوان التحالف الانقلابي عام 2015م في أقل من مائة يوم، بل لقد تركوا الشمال للحوثي وقواته وأرسلوا قواتهم لإعادة احتلال الجنوب المحرر، وما زالت تتحاور مع المعتدين الانقلابيين بينما تهاجم الجنوبيين ويعاملهم إعلاميو شرعية هادي ومحسن معاملة الأعداء، ويستكثر على الجنوبيين المشاركة في إدارة بلادهم.
كما فشلت شرعية هادي ومحسن في حل ازمة الخدمات في محافظات الجنوب، (المحررة كما يسمونها) وحولت أزمة الخدمات إلى حرب ممنهجة ضد الجنوب والجنوبيين، وأضافت إليها حرب التجويع من خلال نهب مرتبات الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين وأسر الشهداء في محاولة عقابية لدفع الجنوبيين إلى الكف عن التمسك بقضيتهم العادلة، لكنها لم تفلح.
وعززت شرعية هادي وعلي محسن فشلها الممنهج، بتنمية الفساد وتحويله إلى سياسة رسمية، بلغت حد السطو على الإعانات الإغاثية الغذائية والدوائية، والعبث بالموارد المالية والاقتصادية، والاستحواذ على العتاد والأموال والأسلحة المقدمة من الأشقاء في دول التحالف العربي، وتحويلها إلى غنائم شخصية لممثليها ولقادة الوحدات والألوية والمناطق العسكرية الوهمية، ولم تفلح في تفعيل أجهزة الدولة الإدارية والقضائية وجهاز النيابة العامة مما أفقدها أي نصرة من قبل المواطنين واستسلام غالبية أبناء الشعب الشمالي للجماعة الحوثية وتفضيلها على "الشرعية" المزعومة باعتبار الحوثيين هم الشر الأهون.
فهل سينجح العليمي ورفاقه في ما فشل فيه هادي وعلي محسن؟
ذلك ما سنتوقف عنده في الجزء الثاني من هذا المنشور.