قراراتٌ حاسمةٌ ومفاجئة اتخذها حزب رابطة أبناء الجنوب العربي الحر “الرابطة”، قراراتٌ يبدو أنها ستفتحُ مساراتٍ جديدةً وتصنع تحولاً مصيرياً في طبيعة المشروع الوطني الجنوبي، وفقا لتوجّهات جديدة وخارطة سياسية ينتظرها الإقليم في خضم التغييرات التي تسعى لها الإدارة الأمريكية الجديدة مع حلفائها في المنطقة.
رئيسُ حزب الرابطة، عبدالرحمن الجفري، نقل كامل صلاحياته إلى الناطق الرسمي باسم المجلس الانتقالي ونائب رئيس وحدة المفاوضات، علي الكثيري، إضافة إلى إجراءات تنظيمية أخرى دفعتْ بشخصيات رابطية إلى الواجهة ومنها شخصيات موجودة داخل المجلس الانتقالي؛ ما يعني أن هذه الخطوة ليست مجردَ إجراءٍ تنظيمي روتيني بقدر ما هو عملٌ سياسي بامتياز وتكتيك مدروس ومخطط له.
الرابطة وطنٌ وهوية ومشروع قبل أن يكون حزبا أو مكونا أو فصيلا من تلك الكيانات التي تتهافت اليوم على تمثيل الجنوب وتتسابق على حمل مشروعه السياسي؛ لذا وجود هذا الحزب اليوم في الواجهة سيحمل أبعادا سياسيةً وقانونية وسيعمل توازناتٍ على أكثر من اتجاه محلي وإقليمي ودولي.
دخولُ الرابطة في عمق المجلس الانتقالي، بأي شكل من الأشكال، من شأنه أن يعمل توازنا إيجابيا في تكوينة المجلس وطبيعة التمثيل السياسي والمناطقي التي عليها كثيرٌ من المآخذ، لما شابها من قصور وتسييس بدوافعَ من بينها الجهوية والتحالفات غير المتكافئة، بمعنى أن الرابطة سيعيد للعاصمة عدن ومناطق شبوة وأبين ومعهما حضرموت، تمثيلا عادلا وحقيقيا؛ ما يخلق بالتالي قوةً لدى الكيان الجامع الممثل للجنوب. ضف إلى ذلك أن تحركات الرابطة وإجراءاته الأخيرة تعد بمثابة “ضربة استباقية” لـ “تحالف أبناء شبوة” الذي دعا له الشيخ صالح بن فريد العولقي في خطوة عدّها الكثيرون بالانتقالي وخارجه أنها مسعى لسلخ شبوة عن هويتها وجغرافيتها الجنوبية لصالح مشاريع تعارض التوجّه الجنوبي نحو تقرير المصير والاستقلال.
التوافق والعمل السياسي المشترك بين أعرق الأحزاب الجنوبية “الرابطة” وآخرها “الانتقالي” في ظرفٍ حسّاس تمر به اليمن والمنطقة، لا يخلو من ترتيبات إقليمية، لا سيما في المحيط الخليجي، يُراد منها إعادة تشكيل النظام السياسي للجنوب انطلاقا من سياسة العداء التي انتهجها نظام الحزب الاشتراكي تجاه السعودية والخليج، بمعنى أن المجلس الانتقالي بتركيبته الحالية التي تنظر إليها السعودية على أنها اشتراكية، مازال هاجسا يقلق دول التحالف العربي، وبالتالي كان لا بد من توافق خليجي على صياغة نظام سياسي جديد يضمن أمن الخليج ومعه يكون حليفا وضامنا لمصالح دول الجوار وفي مقدمتها السعودية والإمارات. المخاوف الخليجية -والسعودية تحديدا- ربما توجّهت هذه المرة نحو تحجيم السطوة الاشتراكية داخل المجلس الانتقالي وفطنت أهمية بناء حليف جنوبي متنوّع وذي حضور وقاعدة على الأرض بعد زمن من خيبات المملكة في صنع تحالفات مع قبائل وأحزاب يمنية تخلت عنها وتخندقت في صف أعدائها، ولنا في قبائل الشمال وجماعات الإسلام السياسي خير مثال.
مخرجاتُ اتفاق الرياض، وأهمها أن يكون المجلس الانتقالي ممثلا لقضية الجنوب في مفاوضات الحل النهائي بالأمم المتحدة، واحدة من أبرز الفرضيات التي دفعت نحو خلق تحالف جنوبي جديد يتزعمه الرابطة، سواء أكان هذا التطور بدافع ودعم خارجي أو بتوافق وتخطيط جنوبي، إذ يعد الرابطة حزبا سياسيا معترفا به في إطار الدستور اليمني وله من المشروعية القانونية والدستورية أكثر مما هي للانتقالي الذي تتعامل معه الشرعية اليمنية ككيان متمرد وتسارع في شيطنته كلما زاد المجلس تمسكا بمشروع الاستقلال، من هذا المنحى سيعطي وجود الرابطة ضمن الوفد الجنوبي أو تفويض قيادة الرابطة بحمل ملف الجنوب في الأمم المتحدة، بعدا قانونيا وشرعية تتكامل مع شرعية المجلس الانتقالي على الأرض، وهو في مجمله تكتيكٌ موفق سيصيب قوى النفوذ اليمنية والكيانات التي فرختها بأسماء جنوبية في مقتل، وسيشل حركتها ويفشل مشاريعها التي استندت خلال الفترات الماضية على الخداع والتزوير وتزييف إرادة الجنوبيين.
الرابطة يحمل مشروعا وطنيا جنوبيا خالصا وواضحا في كل وثائقه وأدبياته، وطرح ذلك بكل وضوح في مشروع الدستور الجنوبي الذي اقترحه الحزب في العام 2013، وأبدى الرابطة تمسكا بهذا النهج خلال بياناته التي رافقت مسيرة المجلس الانتقالي سلما وحربا، وفي المقابل يؤخذ على الانتقالي أنه تماهى مع الشرعية اليمنية وخضع لبعض الضغوط الخارجية للقبول بحلول تنتقص من مشروع الاستقلال الناجز واكتفى بجعل “الاستقلال” هدفا استراتيجيا وفي التكتيك يعمل إلى جانب الشرعية كما هو حال التوافق على حكومة المناصفة، لهذا يبدو أن الدفع بالرابطة إلى الواجهة في هذا التوقيت جاء لاستعادة ما خسره الانتقالي لصالح “مشاريع اليمننة” وإعادة تصويب الخط الجنوبي نحو المشروع الوطني النابع من الإرادة الجمعية لشعب الجنوب.
في كل الأحول ومع جميع الفرضيات والتكهنات فإن العمل المشترك بين الرابطة والانتقالي لحمل المشروع الوطني الجنوبي سيشكل، خلال الفترة القادمة، خطوةً متقدمة ومصيرية للسير نحو تقرير المصير؛ ما يعني أن الرابطة بثقله السياسي والتاريخي ورمزيته في الجنوب سيكون أمام مسؤولية وطنية لانتشال كل المكونات الجنوبية من مستنقع الصراع والعمل على إعادة ترتيب البيت الجنوبي وفقا لميثاق شرف تنطلق منه السياسة الجنوبية في علاقاتها داخليا وخارجيا.
#وهيب_الحاجب