لم أشعر بنفسي إلا والدموع تَفيضُ من عيني وأنا أرى كيف يقهر” منتسبوا جيش وامن الجنوب”. أبكي على قوم كانوا بالأمس تخضع لهم الجباه في ميادين القتال، وتسمع صراخ النصر من اعالي الجبال. وهاهم اليوم يكافئون بالإجحاف وبالتجاهل في حقهم المشروع، من قبل أناس يدعون بأنهم حلفاء معهم في الشراكة والمصير.
لم يستمع ويستجيب التحالف العربي لصيحات الاستغاثة التي أطلقها، من يمثلون (منتسبوا الجيش والأمن الجنوبي
(1967-1990) ثمانون يوماً مضت وهم معتصمون أمام معسكر التحالف في عدن، دون استجابة ولا لفتة احترام لهذه الوجوه الشاحبة وللأعمار المسنة ولا لأمجادهم الخالدة. قوات التحالف تتنكر وما يعرف بالحكومة اليمنية تتنصل لمطالبهم المشروعة والمتمثلة في دفع مرتباتهم التقاعدية والشهرية. لا من مجيب ولا لأذان صاغية. وهكذا تصاعد الموقف واصبح شعار ثورة البطون الخاوية على المحك في الميدان.
هذا الموقف وهذا التوتر بكل تأكيد من شأنه أن يؤدي إلى أوضاع لا يحمد عقباها. فأين العقول الناضجة، وأين أهل الحل والعقد، إن وجدوا أصلا.
من هم هؤلاء الذين يطالبون بحقوقهم؟ انهم الابطال الاشاوس، انهم القادة والرجال الذين شهدت لهم ميادين العزة والكرامة دفاعا عن وطنهم ومشاركتهم مع ابناء عروبتهم في الدفاع عن لبنان والامن القومي العربي والقرن الافريقي .. رجال كان يحسب لهم الحساب تخرجوا من أرقى الأكاديميات العسكرية، انضباط وتدريب وتسليح وشجاعة، فهل ما يحدث انتقام؟!
(( أنا من هاب مني كل ظالم، ودون الحق نارد للمنيّه. ولي في الكون والعالم معالم سقا الله فيّ كل دارٍ سنيّه )).
واجهوا مع شعبهم بشجاعة الغزو الغادر عام 1994، شاركوا باسلحتهم الشخصية في مواجهة الغزو الهمجي في عام 2015.. رغم اعمارهم التقاعدية، وسنين الدهر التي مرة بهم .. استقبلوا الشقيق الذي جاء حاملا مشروع التصدي للتمدد الايراني، ورغم صمودهم معه وتضحياتهم ، إلا ان هذا الشقيق لم يفي بالتزاماته بما تفرضه عليه قوانين الحرب والاحتلال .. وهنا تذكروا كيف حكمت بريطانيا بلادهم 120 عاما ،ولم تتأخر يوما واحدا عن التزاماتها الإنسانية والاخلاقية، بما تفرضه القوانين الدولية على المحتل للأرض .. فهاهم اليوم يعانون من الاخ والشقيق بتوقيف مرتباتهم وهي مصدر أرزاقهم الوحيدة، وطُبق عليهم السياسة الجائرة ” خليك في البيت”، دون راتب ولا حقوق.
لجأوا إلى الاعتصام أمام معسكر قوات التحالف العربي، تلك القوات المتواجدة على الأرض والمسيطرة على قرار بلادهم السيادي والسياسي والاقتصادي، متخذون من الاعتصام السلمي اسلوب حضاري نظامي تعودوا عليه بالضبط والربط العسكري. قد يتسأل المراقب ليقول لماذا اعتصموا أمام التحالف، والرواتب من مهام المسماة شرعية يمنية؟ سؤال وجيه وجوابه اكثر وضوح.
اولاً: لأن التحالف العربي هو المسؤول الأول عن البلاد والعباد بموجب قرار حرب ” عاصفة الحزم”، ووضع الوطن تحت البند السابع لمجلس الأمن الدولي.
ثانياً: لأن المسماة حكومة شرعية هي عبارة عن جماعة هاربة أتخذت من المملكة السعودية مقرا لها ولقادتها بعيدا عن غضب الشعب. وهي من تستولي على كل الثروات ومداخيل البلاد، بإشراف التحالف. لم يجد المعتصمون من طريق غير الاعتصام كأسلوب حضاري أرادوا أن يوصلوا به معاناتهم إلى مسامع التحالف العربي، مرددون” ان الجوع والعوز ينهش الاجساد والأبناء والاحفاد، مات منهم كمدا وقهرا الكثيرين واخرهم العقيد طيار عبد العزيز الصبيحي على أبواب التحالف في عدن ، ربطوا الحجارة على بطونهم كأسلوب يحمل الف رسالة ورسالة لقيادة التحالف، التي عليها أن تلتقطها وتدرك معانيها، وتعمل بها قبل فوات الأوان.
على قوات التحالف أن تدرك بأن هؤلاء الجياع يطالبون بحقهم من دخل ثروات بلادهم التي تنهب دون رادع، وللاسف ان التحالف على علم بذلك .. يطالبون بمرتبات مشروعة لاهبة من جار ولا مكرمة من ملك ولا من شيخ.
إنه زمن قهر الرجال كثر فيه المكر والفساد وأصحاب التطبيل “والرويبضات”.
فهل يعوا ما معنى أن يقهر الرجال في زمن كاد يُمْحَى عنوان الرجولة؟!
أين قيم التضامن وأخلاقيات الحوار الانساني؟!.
أكتبت بألم عن وطن.تضيع حدوده من الخارطة السياسية وتنهب ثرواته و ويهان رجاله. توقفت كثراً عند محطات اختلطت فيها الأوراق، بين ظلم وظلام واحتلال يُمارس لقهر الرجال، مسترشداً هنا بما قاله الشاعر العربي :
مَتَى تَصِلُ العِطَاشُ إِلى ارْتِوَاءٍ
إِذَا اسْتَقَتِ البِحَارُ مِن الرَّكَايَا
وَمَنْ يُثْنِي الأَصَاغِرَ عَنْ مُرَادٍ
وَقَدْ جَلَسَ الأَكَابِرُ فِي الزَّوَايَا
وإِنَّ تَرَفُّعَ الوُضُعَاءِ يَوْمًا
عَلَى الرُّفَعَاءِ مِنْ إِحْدَى البَلَايَا
إِذَا اسْتَوَتْ الأَسَافِلُ والأَعَالِي
فَقَدْ طَابَتْ مُنَادَمَةُ المَنَايَا.
سيبقى وسيظل أبناء الجنوب يمثلون دائماً واحة راقية على الرغم من كل ما يعانوه، وما ارتُكب في حقّهم، لأن إرادة الحياة عند الجنوبيين أقوى من القهر والظلم وقطع المرتبات، يؤمنون بأن
ألايام تمضي ويمضي معها العمر بمقادير مكتوبة لا يعلمها إلا الله.
اختتم مقالي بما قاله الكاتب ويليام فوكنر الحائز على جائزة نوبل.
لا تخف أبداً أن ترفع صوتك من أجل الصدق و الحقيقة و من أجل التعاطف ضد الظلم والكذب و الطمع . لو فعل كل الناس ذلك .. سيتغير العالم.