لم تكن الشعبوية ظاهرة طارئة في العصر الحديث فقد كانت موجودة في العصور القديمة وامتدت خلال القرون الماضية الى ان وصلتنا .
إلا ان التقدم التقني والتكنولوجي حوّل العالم الى مجتمع موحد مترابط ،واصبحت التقنيات الجديدة في متناول الجميع المتعلم والأمي والكبير والصغير، ولم تعد تقتصر على المجتمعات المتحضرة مما جعل الجميع مطلّع على مايدور في العالم عبر الهاتف او التلفاز والحاسوب .
ونعتقد ان التطور التقني الهائل هو السبب المباشر لإنتشار الخطاب الشعبوي وجعله منهجاً سياسياً للتخاطب مع الجماهير .
والشعبوية حسب بعض التعريفات تمثل الدونية السياسية وتحييد العقل والفكر واللجوء الى اثارة العواطف لدى الجماهير عن طريق خطاب مبتذل يسوّق الوعود الزائفة في الحملات الإنتخابية ويستخدم ايضاً كمهيّج للشعوب المتخلفة للسير وراء الحاكم وتأييده.
إن مخاطبة الشارع مباشرة بالخطاب الشعبوي واستثارة عواطف الجماهير لإقناعهم بالقبول بالحكم المطلق للفرد يؤتي ثمارة عندما يكون المُخاطِب يتقن فن الخطاب الشعبوي خاصة وان جماهير هذا الخطاب هم من الفقراء والأميين في المجتمعات المتخلفه وقد اطلق عليهم كارل ماركس تسمية (البروليتاريا الرثّة).
في مجتمعاتنا الشبه أمّية يتوفر المناخ المناسب للخطاب الشعبوي وما نراه في ميدان السبعين من ازدخام (مع من طلع) إلا شاهد ودليل حي على الشعبوية الأمية في بلاد فقيرة ومتخلفة.
شهد ميدان السبعين في صنعاء تجمعات مليونية مؤيدة للرئيس السابق علي صالح ويشهد اليوم نفس التجمعات ونفس الأشخاص مؤيدة لخصمه وقاتله (عبدالملك الحوثي) وما هذا إلا بسبب الخطاب الشعبوي الذي تنتهجه القيادات ليس في صنعاء فقط بل في مختلف بلدان العالم.
ان مخاطبة عواطف العامة وتحييد عقولهم له بالغ الأثر في اصطفافهم وتحشيدهم وراء المُخاطِب وتأييده.
وهنا يبرز السؤال المهم :
هل نحن بحاجة إلى الخطاب الشعبوي ؟
من وجهة نظري اعتقد أنه اصبح ضرورة ملحة خاصة بعد أن رأينا نجاعته بعد استخدامه من قبل الاحزاب الدينية .
ولذلك فلا ضير من اللجوء اليه لمصلحة سياسية معينة ولمرحلة محددة بشرط عدم استمراره حتى لا تطغى الغوغائية على المشهد السياسي في حال استمراره.
لذلك فإن المرحلة تتطلب التحشيد الثوري والخطاب الشعبوي في آن معا.. فهل نحن قادرون على ذلك؟