بدأ (الخريف العربي) يجتاح الجنوب بكل تشكلاته وتشظياته الحقوقية والسياسية، منذرا حكومة الفساد للنظام الاحتلالي بزوالها عن جغرافية الجنوب بأكمله، تاركا وراءه غضب الجياع وصراخهم ونار ثورتهم التي بلاشك سوف تقوض كل ما تبقى من أركانهم وتقض مضاجع (معاشيقهم) التي باتت بلا أمن من هذا الشعب الثائر.
لقد شبت هذه الثورة نارها كما شبت أهدافها ومساراتها عن الطوق ولم تعد بالإمكان أن تبقى تحت السيطرة والأجندة الخارجية المرسومة مسبقا، ولم تعد لها خطوط حمراء تقف عند حدودها.
فباتت مسارات القضية الجنوبية تسير في طريق التحرير برغم وعورتها وخطورة مطباتها التي ينبغي على حامل قضيتها السياسي (المجلس الانتقالي) إدراكها ووضعها في الحسبان، والاشتغال على تكاملية العمل مع تحركات الشارع وغليانه، متجها بها نحو وحدة الهدف والمصير المشترك في التخلص من حكومة النظام الفاسدة وأركانها المهترئة، وصولا به إلى فرض واقع جديد على الأرض والتثبت به، وإعداد كل ما يتعلق بأسباب إدارة شؤونه محليا وفق المتاح، وليس أمام الشعب الجنوبي ما يخسره أكثر مما هو فيه اليوم من حالة البؤس والشقاء والجوع المفضي به إلى الموت البطيء.
إن سياسة القمع والتنكيل التي يحاول البعض من قوات النظام ممارستها والامتهان بها حد القتل المباشر للجماهير المحتجة بالشوارع، هي أساليب بائسة قد خبرها شعبنا الجنوبي مع أرباب النظام وأسيادهم، ولم يستطع إسكات هيجان وغضب الشارع قتلا وتنكيلا، وعلى هؤلاء أن يعوا الدرس جيدا ويعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان، لأن المعركة مع الشعوب الحية خاسرة بلا شك.
يجب على الخصوم لهذا الشعب والمؤازرين لهم، والساكتين عن حقه في تقرير مصيره واستعادة دولته وكرامته وعزته، أن يعوا جيدا بأن مساحة المناورة قد تقلصت حد التلاشي، وبدأت لحظة المفاصلة والمكاشفة التي سوف تلحقها بلاشك.
وليعذر الجميع الشعب الجنوبي إذا خرج بغضبه بعد نفاد صبره وصمته الطويل عن دبلوماسيته المعهودة وطيب أخلاقه التي عرفوها منه، ذلك لأن الجرح عميق والصبر نفد وتضحياته التي بذلها يرى أنها ذهبت سدى دون تقدير منهم.. فترك الحبل على الغارب ليس من مصلحتهم ولا مصلحة الشعب الجنوبي الوطنية في هذا الظرف العصيب، فلا عزاء للمتخاذلين عن تقدير قضيته الوطنية.