لم تمر القضية الجنوبية في مراحلها المتعددة بأخطر منعطف كما مرت بها خلال (يناير - نوفمبر) 2019م، ففي الوقت الذي تجاوزت مرحلة صراع المكونات بعد تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017م بقيادة موحدة تحت رئاسة القائد اللواء عيدروس الزبيدي، وعملت على تأسيس الهيئات المؤسسية، واستطاعت أن تتجاوز كثيراً من إشكاليات وسلبيات الثورة، وليس كلها، وقد سارت في بناء قدراتها العسكرية والسياسية متماهية مع أهداف التحالف العربي في اليمن.
إن ذلك المنعطف الخطير تمثل في محاولة ضرب قوته العسكرية المسيطرة على عدن من خلال ما يسمى بالألوية الرئاسية التي شكلت لهذا الغرض، لكن يقظة القيادة والأذرع الأمنية تجاوزت حجم كل تلك الهجمة الشرسة واستطاعت بذلك أن تقنع التحالف العربي في إطار أهليته بإدارة المعركة والإمساك بزمام الأمور، للذهاب بعيداً لتحقيق مشروع دولته المستقلة على كامل تراب الجنوب، وفضح تركيبة الشرعية الهزيلة الملتبسة بقوى التخلف والإرهاب.
لقد وصل التحالف العربي ممثلاً بالسعودية والإمارات إلى قناعة بضرورة تغير إستراتيجيته في تحالفاته لنجاح مهمته في حربه باليمن في ظل تغير موازين القوى الذي فرضها المجلس الانتقالي الجنوبي على الأرض ومشاركته الفاعلة عسكرياً مع التحالف، ما اضطره إلى إعادة ترتيب أوراقه في ظل يافطة الشرعية التي يتعامل معها، وأدى ذلك إلى ضرورة أن يكون المجلس الانتقالي الجنوبي طرفاً رئيسياً في الشراكة بالتحالف، فجاء حوار (جدة) واتفاق (الرياض) بكل ما حمله من بنود وملاحق تفسيرية محصلة لتلك الحاجة الملحة للعمل المشترك وضرورة مرحلية لمعالجة اختلالات الشرعية المخترقة، وهذا الاتفاق يمثل انتقالاً سلساً للشرعية من أصحاب (الفنادق) إلى أصحاب (الخنادق).
ما يمكننا اليوم قوله هو: إن الجنوب بهذا التوقيع يدخل مرحلة مخاض عسيرة جداً لكل ما يحيط به من ظروف حمل القضية الجنوبية ومراحل نموها غير الطبيعية التي، بلا شك، ستكون الولادة بقدر ما تكتنفه من ملابسات غير طبيعية يحاول الخصوم المراهنة عليها في إجهاضها ولو في مراحلها المتأخرة بعد فشله مبكراً في ذلك.
إن على المجلس الانتقالي الجنوبي الحامل لها مهام جسيمة في كيفية الحفاظ عليها ما قبل الولادة، ولعل في القدرة الإدارية والأمنية للسيطرة على الجنوب وفق بنود اتفاق جدة وحوار الرياض ما يسير بالقضية إلى مبتغاها نحو قيام الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة، وتجاوز كل العقبات بما فيها بعض بنوده التي لغمت من الطرف الآخر باتجاه عرقلة مشروعه وتحقيق أهدافه.