قرأت كثيرٍ من الكتابات واستمعت لعددٍ من البرامج مؤخراً، ووجدتها تحاول شيطنة الجنوبيين وتلصق بهم كل مذمة، وكان آخرها بيان الإصلاح في عدن، ذلك الحزب الذي أوغل في قتل وتدمير الجنوب، ثم ها هم اليوم يلصقون أفعالهم بالضحية التي لطالما تلذذوا بتعذيبها، مستغلين امتلاكهم لآلة إعلامية رسمية وحزبية وتسخير مقدرات الدولة وإمكانياتها في خدمة أجنداتهم.
ورداً على تلك الحملات الساذجة لشيطنة الجنوب، نرفق لكم بعض ما تعرض له الجنوب على أيادي من يشيطنونه، من خلال الآتي:
- عام 1990م ذهبنا إليهم مهرولين، سلمنا الدولة والثروة والعلم، والعملة والرئاسة والعاصمة ورضينا بالفتات، ليس لشيء سوى لأن قوميتنا وشغفنا للوحدة كان أكبر من أن نفاوض على السلطة، وظننا بأن عدونا يحمل ذات الحلم وذات الشغف، فتفاجئنا بشريكٍ لئيم يبتسم لنا بنواجذه وهو يحفر قبورنا.
- لم تنتهي سنة واحدة على قيام الوحدة، حتى بدأت مؤامرات العدو، من خلال تأسيس حزب الإصلاح للتحايل على شريك الوحدة، وإيجاد طرفين شماليين مقابل طرف جنوبي، من أجل تقاسم السلطات أثلاث بينهم، ليحظى الشمال بثلثين ويصبح هو المسيطر على مفاصل القرار.
- كان الطرف الجنوبي حينها (الاشتراكي)، لا يزال قوياً بما فيه الكفاية لمواجهة أي أخطار تستهدفه، فما كان منهم إلا أن يعملوا على إضعافه بأساليب وطرق شتى، كانت الاغتيالات أبرزها إذ بلغت خلال عام واحد أكثر من 150 حالة اغتيال فيما بلغت خلال الفترة ما بين 1990 حتى 1994 أكثر من 400 حالة اغتيال.
- خلال القترة ما بين 1990و 1994م عمد النظام في صنعاء للدفع بالقبيلة لإبراز دورها، فنظمت عدة مؤتمرات قبلية وكانت مخرجاتها متشعبة ومختلفة، بيد أنها جميعاً استطاعت أن تتيح لقوى النفوذ الشمالي مساحة مناسبة للمناورة، وتبادل الأدوار بين المؤتمر والإصلاح بل وحتى بعض القبائل التي أظهرت عدم صلتها بكلا الحزبين، فظن الإشتراكي بأنهما يتصارعان فيما بينهم، بينما كانوا في حقيقة الأمر يعدون العدة للإجهاز عليه.
- تمكنت تلك المؤتمرات القبلية أن ترسل رسائل عدة للداخل والخارج، فكان أحدها إيهام الإشتراكي بأن عدداً من قبائل الشمال ستقف إلى جانبه، فدعمها ثم خذلته، وأما الرسائل الأخرى فكانت موجهة للجوار الإقليمي الذي أستطاعوا من خلاله أن يوهموا المملكة بأنهم يمتلكون نظام بديل موازي أكثر تماسكاً في حال سقوط نظام الرسمي للدولة، وأما الهدف الثالث فهو بتصوير بعض القبائل الهلامية على إنها قبائل لا تقهر وأنها أكبر قبائل العرب عدة وعتاداً وشجاعة، فلما جاءت حرب 2015م، عرتهم وبينتهم على حقيقتهم.
- كانت كل تلك الارهاصات تحمل نذر ودلائل على اقتراب موعد المواجهة العسكرية بين الشريكين حديثا العهد، وبينما كان الشمال يطمع بالاستحواذ الكلي، كان الجنوب لا يزال يبحث عن شراكة وعدالة ومساواة، حتى تفاجأ في ابريل 1994م بمواجهة حرب عسكرية لم يكن مستعداً لها، في وقت كان الشمال جاهزاً لخوض المعركة وقد بدأ بالإعداد لها منذ ما قبل قيام الوحدة.
- جيَّش الشمال القتوى الدينية والحقد والكراهية، وجلب آلاف المقاتلين الأفغان العرب، وخاض حرب إبادة لشعب الجنوب، تحت يافطة تطهير اليمن من الشيوعية، وأباح فيها قتل النفس وهدر الدماء فخاض حرباً دموية لا تزال تبعاتها ماثلة حتى يومنا.
- حينما تمكن جيش صنعاء من اجتياح عدن، أرسل القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء محمد سعيد العطار، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يبلغه فيها بأن الحكومة تتعهد بتنفيذ حوار جاد مع الجنوبيين للمصالحة وإصلاح ما خلفته الحرب، ولحد اليوم لم ينفذ أي حوار جدي بين الشمال والجنوب.
- بعد الحرب تم الانقلاب على اتفاقيات ومواثيق ودستور دولة الوحدة، وأقام نظام صنعاء دستور جديد للبلاد، فصلوه على مقاسهم، وسرحوا الجنوبيين من وظائفهم وهجروهم، ومنعوا عنهم التعليم والمنح والوظائف حتى إدارة المرافق العامة في كافة مدن الجنوب كان يستجلب لها من يديرها من الشمال، فيما أبناء الجنوب يضطرون لمغادرة البلاد لعلهم يجدون عمل في بلد الاغتراب.
- تم استقطاع كل مقدرات الجنوب وثرواته وربطها بالمركز في صنعاء، كما تم الاستحواذ على جميع الوكالات التجارية واحتكار الاستثمار على بيوت مخصصة كلها من الشمال وبعض مشغلي أموالهم من الجنوبيين.
- انطلقت ثورة الحراك الجنوبي عام 2007م، فجابهه نظام صنعاء بالحديد والنار وأسقط آلاف الضحايا ما بين شهيد وجريح ومعتقل، ونفذ عمليات قتل جماعي ترتقي إلى مصاف جرائم حرب، فيما كانت الثورة الجنوبية تزداد وهجاً كلما ازداد جبروت نظام صنعاء العدواني ووحشيته ضدها.
- في عام 2011م وعلى إثر ثورة الحراك تفاعل بعض شباب الشمال مع وقع الربيع العربي، ضد نظام صنعاء، لكن أحزاب السوء وشركاء السلطة والثروة كانوا لها في المرصاد فجيروها لمصالحهم، ونصبوا رئيساً جنوبياً لوأد الثورة الجنوبية، بيد أن شركائهم لم يتقبلوا ذلك فانقلبوا عليه، وشنوا حرباً جديدة على الجنوب دمرت الأخضر واليابس.
- أقاموا مسرحية أطلقوا عليها اسم حوار وطني للتحايل على قضية الجنوب، فأوجدوا تمثيل شكلي انسحب الشرفاء منه حال إدراكهم بالتلاعب على قضيتهم، واستبدلوهم ببعض منظمي حفلات الزار الراقصين على جثث شعب الجنوب.
- من يذهب من الجنوب إلى صنعاء وأخواتها يذهب حاملاً أمواله للاستثمار أو المعاملة أو حاملاً علمه وخبراته، أو مناصر لشعب الشمال ضد الحوثي كما هو حاصل اليوم في الساحل الغربي والبيضاء وصعدة، فيما تجد القادمون من الشمال إلى الجنوب ما بين مسؤول فاسد أو عسكري محتل، أو داعشي قاتل، أو تاجر فاسد لهذا أصبح الجنوب يمقت كل من يذكر له أو يطلب منه السماح للشماليين بالدخول إلى أراضيه، فما رآه منهم يجيز له ذلك.
- لا يزال الكثير من ناهبي أراضي الجنوب وثرواته يجثمون على صدره ويبددون ثرواته بغير وجه حق.
- لا تزال قوات أبو عوجاء تستبيح وادي حضرموت وتفتك بأبنائها، واقفة حجر عثرة في طريق السلطات المحلية في محافظة حضرموت تمنعها من بسط سيطرتها على كامل أراضي المحافظة، وعلى ذات المنوال تعيش بيحان شبوه، ومحافظة المهرة وقريباً من ذلك الحال تعيش سقطرى.
- عام 2015م تحول أفراد القوات الشمالية بالمنطقة العسكرية الثانية إلى دواعش وعاثوا في ساحل حضرموت قتلاً وتنكيلاً، حتى حل موعد تحريرها منهم، فغادروها جميعاً إلى معسكرات المنطقة العسكرية الأولى في الوادي، وما لم يتم تصفيتها من الوادي وبيحان والمهرة وسقطرى فستظل خطراً يهدد أمن الجنوب والمنطقة.
- فما الذي فعله أبناء الجنوب بأهل الشمال حتى يعاملون بتلك الطريقة ؟
- لا يزال تجار الحروب، وصراعات قوى النفوذ والفساد الشمالية، تستبيح الجنوب وتهدر دماء أبناءها بغير وجه حق، ثم وفي الوقت ذاته تروج الأباطيل وتزور الأقاويل ضد شعب الجنوب المغلوب على أمره متهمة إياه بممارسة عنصرية ضدها.
- نعم يمارس العنصرية من خلال صبره على حالة الحرمان من نيل أبسط حقوقه، في الوقت الذي تورد فيه عوائد الثروات في الجنوب إلى مأرب أو صنعاء، رغم إن البنك المركزي في عدن، لكن بنك عدن مخصص للصرف فقط وليس لحفظ المال فليس هناك من يؤتمن عليه لحفظ المال سوى حكومتي مأرب وصنعاء !!!
- إن أردتم أن يتحقق للمواطن الشمالي دخول آمن وإقامة حرة في الجنوب، فيجب أولاً أن تسحبوا معسكراتكم منها، ثم تقطعون أيادي ناهبيكم عن ثرواتها، ثم تكفون تدخلات أحزابكم في شؤونها، حينها سنقيم معكم علاقات جوار وتعاون رفيعة المستوى بين شعبين ودولتين متجاورتين، ما لم فسيظل وهج ثورتنا وضاءاً وسنظل كالشوكة لكم في الحنجرة، ولن يتوقف إلا باستعادة الدولة.
وأختمها بتساؤل مفاده، ماذا لو بادلناهم بنصف ما نالنا منهم من قتل وتعذيب وتشريد وامتهان وسوء معاملة...... إلخ.؟ ماذا سيقولون عنا حينها ؟
أعتذر للإطالة، ولولا مراعاتي لطاقة القراء لظللت أدون ممارسات قوى الشمال العنصرية بمختلف توجهاتها الحاقدة التي تفعل السوء وتلصقه بمن سواها، فما فعلوه في الجنوب لا تكفي مجلدات لتدوينه.
فليشهد التاريخ علينا وعليكم من الغادر ومن الضحية، من يطالب بالحق ومن يكرس الباطل، والظلم والعدوان.
#أنيس_الشرفي
26 أغسطس 2018م