تشهد محافظة شبوه اليوم انفلاتاً أمنياً وفوضى عارمة، ويعيش سكانها حالة من القلق والخوف، جراء انعدام الأمن، وشيوع الجريمة، وتزايد حالات الابتزاز وقطاع الطريق والفوضى والمظاهر المسلحة والانفلات الأمني الكبير، وعودة العناصر الإرهابية إلى الظهور العلني، بعد أن تواروا عن الأنظار أو اضطروا للهروب من المحافظة إلى مأرب والبيضاء منذ تشكيل النخبة الشبوانية، ودخولها محافظة شبوه.
ويأتي ذلك الوضع في أعقاب المؤامرة الدنيئة التي تعرضت لها قوات النخبة الشبوانية من قبل قوات حزب الإصلاح الشمالية الغازية القادمة من محافظة مأرب، ليعيد الأوضاع الأمنية في المحافظة إلى ذات الوضع المأساوي الذي كانت تعيشه قبل تشكيل قوات النخبة. حيث واجه مواطني محافظة شبوه قبل انتشار قوات النخبة، لحظات حرجة ووضع مأساوي، لا يكاد يمر بهم لا يرون فيه أحداث تقطع أو حرابة أو سطوٍ مسلح أو نزاع قبلي، فضلاً عن انتشار الجماعات الإرهابية، وتمركز عناصرها في بعض مناطق المحافظة، وتهديد السكان وإقلاق السكينة العامة.
ومنذ تشكيل قوات النخبة الشبوانية في عام 2016م، التي تأسست بدعم قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن جهود التحالف العربي، من أبناء شبوه الغيورين عليها والذين يحملون أرواحهم في أكفهم ويسهرون الليل لتأمينها، شهدت شبوه نقلة نوعية في مجال الأمن والاستقرار.
إذ قدمت قوات النخبة الشبوانية نموذجاً فريداً من نوعه في التنظيم والانضباط والسيطرة، وكانت الجهاز الأمني الأكثر تنظيماً وتنسيقاً وتمكيناً في المحافظات المحررة. كما حظيت بتعاون وإسناد مجتمعي منقطع النظير، مما وفر لها بيئة ملائمة، مكينها من بسط الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وحماية المصالح الدولية، والشركات الأجنبية العاملة بالمحافظة، وتأمين الخطوط البرية، والممر الملاحي البحري الدولي لسواحل المحافظة المطلة على خليج عدن وبحر العرب.
إلا أن أحداث 24- أغسطس 2019م المتمثل في غزو ميليشيات حزب الإصلاح الإخواني المعتدية، التي عملت على ضرب قوات النخبة وتمزيقها وتشتيتها، وتسعى إنهائها وسلب مواقعها، وتسريح أو ترويع واستهداف قياداتها والإجهاز على وحداتها، بهدف إحلال ميليشيات الحزب محلها، تحت مسمى قوات “جيش وطني”، والوطن براءٌ من ميليشيات الحزب الإخواني ذو الأجندات التدميرية، التي لا ترى بالجنوب سوى ثروة ونفط خالياً من السكان.
إذ تعمد زعامات الحزب بالشراكة مع بقية قوى النفوذ الشمالية، إلى سلب ونهب مقدرات الجنوب، وتمزيق هياكله المجتمعية، وتفريخ جماعات الإرهاب على أرض الجنوب، ونشر منظمات المجتمع للتسلل عبرها إلى هياكل المجتمع، واجتذاب الشباب وتجنيدهم لخدمة الإرهاب.
وتهدف من ذلك إلى إجهاض الهياكل المؤسسية الجنوبية، وتدمير وحداته الأمنية والعسكرية، وإغراق الجنوب بالفوضى والقتل والثأرات القبلية والحرابة والمظاهر المسلحة، والإرهاب، لإشغال المجتمع بالفوضى والاحتراب، ولنشر قوات الحزب حول منابع النفط والمنشآت الحيوية، وتمكين زعامات الحزب وشركائهم من قوى النفوذ من تقاسم عوائد وإيرادات ثروات الجنوب، بمعزلٍ عن أبناءه، الذين لا ينالهم منها سوى الضيم والمآسي والموت والتهجير والتلوث البيئي.
وهو ما يعيد إلى الأذهان سيناريو التدمير الممنهج الذي اتبعته قوى نظام صنعاء لتدمير الجيش والأمن الجنوبي، عقب اجتياح أرض الجنوب وإخضاعها قسراً لسيطرتهم في 7 يوليو 1994م.
وبالسؤال عن سبب البدء باستهداف النخبة الشبوانية بالذات، نجد بأن أهمية ودور النخبة ينبع من أهمية الموقع الجيوسياسي لمحافظة شبوه بوصفها همزة وصل وركيزة هامة لإقامة منظومة جديدة في الأمن والحوكمة، تؤمن الترابط بين مدن الموانئ الكبرى، عدن والمكلا وبئر علي، وكذلك بين محطة بلحاف للغاز وحقول النفط في العقلة وجنة والمسيلة ومحطة التصدير بالشحر وصولاً إلى تأمين خط نقل النفط الخام من مواقع الإنتاج في حضرموت وشبوة إلى مصافي عدن.
كما إن شبوه أيضاً تقع في بؤرة المخاطر المتولدة جراء تركز نشاط “تنظيم القاعدة الإرهابي” في جزيرة العرب، في محافظات البيضاء ومأرب والجوف ووادي حضرموت والمهرة وشبوه وأبين، وغالباً ما يتسلل عناصره لتنفيذ عمليات إرهابية ضد قوات نخبتي شبوه وحضرموت وحزام أمن أبين وعدن ولحج، واستهداف قوات التحالف العربي، والقيادات الجنوبية.
وهو ما تمكنت النخبة الشبوانية من ضربه محققة نجاحات مرموقة في مكافحة الإرهاب، وأثبتت جدارتها وقدرتها على استتباب الأمن، وحرصها على حفظ ورعاية المصالح العامة والخاصة، انطلاقاً من انتمائها إلى المجتمع الشبواني، واعتمادها على فئة الشباب، مما جعلها أكثر حيوية ونشاطاً وأكثر قبولاً ونفاذاً إلى المجتمع، واستيعاباً واكتسابا للمهارات وتطوير الأداء.
وبينما كانت قوات الحزام الأمني والنخبتين الشبوانية والحضرمية تحقق النجاحات، وتنشر الأمن والأمان وتولد الطمأنينة والراحة، وتكافح الإرهاب وتجفف منابعه وتضرب خلاياه في عموم محافظات الجنوب، فقد كانت قوات حزب الإصلاح بقيادة الأحمر تنشر الإرهاب والجريمة وتصنع المفخخات وتدرب عناصر إرهابية، وتفتح طرق عبور للحوثي ليصل إلى الجنوب.
لقد ثارت ثائرة قوى النفوذ الزيدية (إصلاح، وحوثي، مؤتمر) جراء تشكيل القوات الأمنية والعسكرية الجنوبية، إذ يرون في بناء أي تكوين أمني أو عسكري جنوبي، بمثابة خطرٍ داهم على نفوذهم المستقبلي وسيطرتهم على ثروات الجنوب، ولذلك قاموا باستنفار كل قواهم وتجييش كل أبناء الشمال، وتسخير كل إمكانيات الدولة وقدراتها (العسكرية، والإعلامية، والسياسية، والإدارية) لضرب وإفشال تكوين تلك القوات الجنوبية الوليدة.
لم يكتفوا بتزييف الوقائع ونشر الإشاعات والأراجيف حول تلك التحركات بتصوير الأمر على غير حقيقته، ويظللون الرأي العام المحلي والدولي، بل وصل بهم الحال حد تسخير سلطة القرار السياسي لتقنين تلك التهم، وعمدوا لتعبئة المملكة العربية السعودية ضد تلك الأجهزة الأمنية الوليدة من جهة، ورفع تقارير انتهاكات زائفة لمنظمات الأمم المتحدة، وذلك ليس بغريب عنهم، كون تلك الجماعات الإرهابية المسلحة كانت توفر لهم حائط صد وحاجز حماية يؤمن مصالحهم ويديم سيطرتهم على خيرات الجنوب وثرواتها.
فإذا أمعنا النظر فسنجد بأنه الجماعات الإرهابية لم يسبق لها استهداف معسكرات حزب الإصلاح، ولا ميليشيات الحوثي أو اهتمت بقتالهم، رغم شعاراتها الزائفة التي تأتي على غرار شعارات الحوثي أو الإخوان – شعاراتهم في وادٍ وأفعالهم في وادٍ آخر- فجماعات التطرف والإرهاب باختلاف مسمياتها تعمل في ذات المسار والنسق التي تعمل عليه قوى النفوذ، وتقف معها في خط واحد، تعادي وتستهدف من تستهدفهم قوى النفوذ وتود من توده وتؤثره تلك القوى.
إذ نجد بأنها تعادي نفس الخصوم الذين يستهدفهم حزب الإصلاح وجماعة الحوثي، وتتفق معهم على تقاسم الأدوار وتكريس الجهود لمحاربة الإمارات والحزام والنخب الأمنية الجنوبية، عبر تسخير كافة الأدوات السياسية والإعلامية والمنظمات والخطب والفتاوي، وتنفيذ عمليات الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية الغادرة، التي ينحسر اهتمامها بضرب قوى الجنوب وقياداته ونخبه الفاعلة، إضافة إلى سعيهم لتقويض أمن الجنوب، وتهديد الأمن السلم في المنطقة والعالم.
إن الواقع الراهن اليوم في محافظة شبوه من غزوها قبل اسبوع وضرب قواتها المحلية، يثير الكثير من المخاوف وينذر بتبعات كارثية، إن لم يتم الاسراع بإعادة قوات النخبة الشبوانية وتمكينها من أداء مهامها وبسط سيطرتها على كامل أراضي محافظة شبوه.
إذ أن أي تلكؤ أو تأخير في إعادتها سيقوض الأمن والسلم المحلي والإقليمي، ويدخل المنطقة في غياهب الاحتراب والفوضى، ويوفر بيئة رخوة لانتشار الجماعات الإرهابية، ومعابر برية آمنة لتنقلاتها واستهداف المنشآت الحيوية، والمصالح الدولية، إضافة إلى تسهيل عملية انتقال عناصره عبر البحر، والوصول إلى سواحل القرن الإفريقي، وإقامة علاقات وثيقة مع نظرائهم في الجانب الأفريقي، لا سيما “حركة الشباب المجاهدين” الصومالية، مما يمكنها من عملية تبادل الخبرات والتزود بالسلاح والقوى البشرية، وبناء الروابط والهياكل التنظيمية، والتعاون المعلوماتي واللوجستي بين التنظيمات الإرهابية في جزيرة العرب وشمال شرق أفريقيا.
أنيس الشرفي