الفهم الشائع للتصوف بين أغلب الناس هو الاعتقاد أن التصوف مذهب ديني وهذا مفهوم بحاجه الى تصحيح لان التصوف الحقيقي أوسع من أن يكون مذهب او معتقد ديني فقط .. ذلك لان التصوف فكره ساميه وسلوك انساني أخلاقي راقي لتهذيب النفس والوجدان أو كما عرفه أحد أعلام التصوف (الجنيد) : التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دنيئ
سقراط قبل ميلاد المسيح بأربعه قرون تصوف في محراب الفلسفه الاخلاقيه ونشر المعرفه الى درجة انه رفض التخلي عن مبادئه مقابل العفو عنه من تجرع السم فتجرع السم .. مايكل أنجلو في عصر النهضه كان أشهر من تصوف في فضاء الفن التشكيلي الى درجة انه أمضى سنوات مستلقي على ظهره لرسم نقوش في سقف إحدى الكنائس الايطاليه .. وحتى زاهد الهند الكبير والاب الروحي للهند الحديثه المهاتما غاندي كان زهده ودعوته للاعنف تصوف .
من بداية القرن الثالث الهجري كان للتصوف حضوره القوي كمكون من مكونات الثقافه الاسلاميه ويرى بعض الباحثين ان هذا الحضور وجد كردة فعل طبيعيه لازدهار الحياة الماديه وطغيان الملذات الحسيه في أوج ازدهار عاصمة الخلافه (بغداد) حيث نشأت على هوامش وأطراف بغداد أمكنه كثيره للهاربين والفارين من الملذات الحسيه الى التأملات والعبادات والروحانيه .
المتتبع أو المطلع على سير اغلب رموز الفكر الصوفي من الجنيد الى ابن ادهم والحلاج والشبلي وابن عربي وعشرات غيرهم سيلحظ انهم فقهاء علماء ومن اهل الحديث المتمكنين انما لم يقف احدهم على باب حاكم ولم يثيروا فتنه ولم يكفروا جماعه ولم يفسقو مذهب ولم يذموا ولم يقدحوا في معارض لهم ... منهجهم الحب والتسامح حتى مع من يكفرونهم وهذا ايضا عبر عنه (الجنيد) بقوله : لا يكون العارف عارفا حتى يكون كالأرض يطئوه البر والفاجر وكالسحاب يضل كل شيء وكالمطر يسقي مايحب وما لايحب .. والعارف لقب من القاب التدرج في التقوى والروحانيه عند الصوفيه .
للفكر الصوفي قاموسه الباذخ بمفردات الجمال وعبارات وجمل التسامي بوجدان وروح المتلقي بعكس مفردات وجمل قاموس الفكر المتطرف .. عند المتصوفه لن تقرأ إلا عبارات عشق وحب للذات الالهيه ومدح للنبي بأجمل وألطف وأرق العبارات .. الاشراق .. اللطف .. الجمال .. الندى .. الانوار ..
بينما قاموس فكر غلاة التطرف مشحون بمفردات وعبارات مفزعه مخيفه وكلها صواعق وعذاب ووحوش وهوام وسيوف وووو وكل ماله علاقه بالرعب ودين الله دين محبه وسلام ولطف لادين رعب وخوف ..
الصوفي متصالح مع نفسه ومع الاخرين فلا زعيق ولا نعيق ولا فضاضه ولا غلاضه أو كما قال جلال الدين ابن الرومي يرتفع منهم المعنى لا الصوت .. فان مايجعل الزهر ينبت ويتفنح هو المطر لا الرعد)
يشن غلاة التطرف حملات وحملات على أتباع الفرق الصوفيه في بعض البلاد الاسلاميه ويكفرونهم ويفسقونهم وهم يعلمون ان الاحتفالات التي تقيمها هذه الفرق والاتباع ليست عباده وانما فعاليات اقرب الى الفلكلور الشعبي تبث الفرح في نفوس أتباعها من ظنك العيش وظلم الظلمه وخلالها يقدم اهل الاحسان ماتجود به نفوسهم من الموائد للجائعين والاف الالسنه تلهج بابتهالات محبة الله ورسوله والصالحين .. وفي نفس الوقت يصمت غلاة التطرف عن حفلات الدم وتناثر الاشلاء واشاعة الاحزان التي يقوم بها اتباع الفكر المتطرف ..
هنا تناقض لايشبهه الا احتفاء هيئات وجماعات دينيه منتصف الثمانينات باسلام المفكر الفرنسي روجيه جارودي وهم استضافوه واحتفوا به في أماكن عده في الوقت الذي يكفرون فيه القطب الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي ويمنعون مؤلفاته بينما روجيه جارودي دخل الاسلام من دراسته لفكر ابن عربي .
روح المتصوف الحقيقي دوما تنهل من ندى الروحانيه والجمال الالهي المتجلي في مخلوقاته بينما غلاة التطرف متعطشين دوما للدم ..
هنا الخلاصه