يقال الحرب خدعة، ويقال أيضاً السياسة فن الممكن.. إذن قد لا نفاجأ بالتطورات الدراماتيكية المتسارعة في الساحة اليمنية، التي قلبت الموازين والحسابات، وبات عدو الأمس صديقاً، وحليف الأمس عدواً، هكذا تمضي الأمور وبسرعة متناهية إلى درجة أن البعض يرجح أن تنتهي الحرب بناء على المستجدات الراهنة.
التحالف وفق معطيات عدة حقق أهدافا كثيرة للغاية من هذه الحرب، ليس في مقدمتها إضعاف طرفي الانقلاب، فالحوثيون وفق معطيات عدة في حالة من الوهن والترنح بعد أن فقد هذا الطرف المرتبط في الأصل بالأجندة الخارجية. إذ فقد على مدى سنوات الحرب قوته العسكرية وقوته البشرية بعد أن أُنهك في حرب طويلة انتشرت فيها قواته على امتدادات الساحة الجنوبية، تلقى إثر ذلك ضربات فادحة إلى حد كبير من تلك القوة والغطرسة التي بدأتها قوات الحوثي المتحالفة مع قوات صالح.
ربما لم يضع طرف الحوثي، بحكم قلة خبرته السياسية، الحسابات المسبقة لما يمكن أن يكون عليه شكل تحالفه مع صالح الذي عانى منه سنوات الحرب في صعدة بفصولها الستة، إلا أن البعض كان يدرك، بحكم الخبرة، أن التحالف مع صالح سينفضي إلى الغدر، وهذا ما نشاهده اليوم في الساحة اليمنية التي ربما فاجأت أحداثها الكثير من الأطراف التي لا تدرك أن الغاية تبرر الوسيلة لدى طرفي التحالف الحوثي وصالح، وهذا ما تترجمه الوقائع على الأرض.
وجه الإثارة هو دخول التحالف في طرفي المعادلة، وهذا هو حال سياسة الحروب التي ينبغي أن تتخذ من الوسائل الممكنة سبيلاً لتحقيق الانتصار.
التحالف وفق الكثير من المعطيات يريد أن ينهي الحرب، وطالما سنحت أمامهم مثل هذه الفرصة فلا بد من الأخذ بها، في حين أن صالح بدا جاهزاً لذلك منذ زمن لإدراكه ألا سبيل أمامه إلا الأخذ بهذا الخيار على ما فيه من مغامرة وفق الكثير من التحليلات السياسية، المشهد لم يكن قد تخلَّق فجأة ولكن ذلك مرتبطا بتنسيقات متبعة وصولاً إلى ما يسمى بانتفاضة صنعاء التي باركتها أطراف الشرعية.
إذن انتهاج أقصر الطرف لدى الأطراف المختلفة هو فن السياسة الممكن الذي يجري انتهاجه في هذه الأوقات، وعبر هذا الطريق يكون التحالف قد حقق هدفه في إضعاف الحوثي وصالح، وأنه عمل من أجل الضرورة على تعويم طرف على الآخر إلا أنه السبيل الممكن بالنسبة للتحالف، وربما بأقل الخسائر.
وإن حصل الطرف الذي جرى تعويمه على بعض الوعود نظير موقفه الجديد الذي اعتبر فتح صفحة جديدة، وفي المحصلة النهائية الساحة اليمنية اليوم مفتوحة على احتمالات عدة وتسويات متنوعة، الجديد فيها هو الإبقاء على حزب صالح كطرف رئيسي في المعادلة القادمة.
تراجع قوة الحوثي والمشروع الإيراني إلى درجة بعيدة ربما يشكل ذلك خسارة إيران الواضحة في هذا الجزء من عالمنا العربي.
إذن هل هي عودة إلى المربع الأول؟ هذا ما يراه البعض، إلا أن النتائج دون ريب ليس فيها لمربع المعاناة الأول وفق كافة المعطيات، فبعد الحرب ليس كما قبلها.. وعلى البعض إلا يذهب بعيداً في تفاؤله.