خاطبوا الأمعاء أولا

2025-10-25 18:07

 

أظرف خطبة جمعة شاهدتها أثناء الحرب في غزة والحصار، فحين اعتلى الخطيب المنبر قال أيها الناس أنتم جائعون لا يمكنكم الاستماع وأنا جائع لا أقوى على الخطبة فأقم الصلاة.

 

ما يحدث في مجتمعنا الجنوبي منتهى الفظاعة والإذلال لا رواتب ولا خدمات ولا مصداقية وعود ولا حتى ضمائر إنسانية تستشعر مآسي الأسر التي تتضور جوعًا من أطفال وشيوخ يموتون جراء هذا الواقع المؤسف.

 

لا شيء يبلغ أسماعنا ولم نعد نميز بين هذا وذلك ممن يديرون مأساتنا المروعة لا مجال للمبررات إطلاقا أمعاؤنا لا مسامعنا من تتلقى الكلام الذي هو بمجموعه لا وزن له لدينا تعاظم حال الكارثة الحياتية التي نعيش تحت وطأتها ولم يعد بمقدورنا قراءة طوالع الشأن السياسي كل شيء بلا ملامح ولا مصداقية، اختلط الحابل بالنابل لا نرى في هذه الأثناء إلا صور أطفالنا الضامرة ومدننا المظلمة لا نكترث ببطولات وصولات أين كان ربما لأننا فقدنا الأمل تمامًا.

 

بكل شيء إثر سنوات عجاف من الإذلال والتركيع خدمات منهارة تمامًا سواء على صعيد الكهرباء والمياه والمعيشة فماذا بقي لنا؟ التعليم منهار، أطفالنا خارج نطاق المدرسة والمعلم الذي أوكلت له المهمة يتضور جوعًا ومع ذلك ندعوه للعطاء عن أي عطاء تتحدثون؟

 

من أين يأتي الفرج بعد كل تلك التراكمات المؤسفة التي نعيشها منذ زمن من أين يأتي الخلاص هل من بطون من أفسدوا كل شيء تساؤلات عميقة وحيرة كبيرة نعيشها ونحن ماضون بأمعاء خاوية لدروب المجهول الذي لم تتخلق ملامحه ولا يمكنك أن تقرأ في أفق العدمية الراهنة من أن المسار يذهب نحو استبدال صورنا البشرية التي باتت عبئًا على من تبدل حالهم إلى الثراء وتفتحت أمامهم مسارات ممارسة كل أنواع الفساد والإهدار والنهب ما جعلهم يشعرون بفرط العظمة واليقين بأنهم من صنف بشري يستحق كل إيثار النفس وتجاوز من لا يشكلون إلا عبئًا ينبغي التخلص منه.

 

مدن الجوع والظلام لم تعد مطلقًا تصلح لهؤلاء البسطاء ينبغي أن تزدهر مدن أخرى على أنقاضهم تلك نظريات وإن لم تقال صراحة هي ما يمهد لها وضعنا الحالي.

 

كفوا عن مخاطبة عقولنا لسنا بحال يمكننا أن نصغي أو نميز طالما أمعاؤنا وبطون أطفالنا حقل تجربة نهجكم الجديد واستراتيجية إذلال لم تكن متبعة حتى في الحربين العالميتين التي مرت بها البشرية.

 

هنا ملايين السكان يذلون بصورة ساحقة وضع لا يثير دول الجوار والعالم ولا ندري ما الذنب الذي ارتكبناه في الواقع لا ينبغي لنا أن نشير إلى التحرر من أحد لأنه لا معنى أن تتحرر من ربقة العبودية أين كانت.

 

لتجد حالك في خضم الجوع والفوضى وغياب العدل وكل مقومات الحياة ولو بحدها الأدنى ماذا يجري في هذا الجزء من العالم الذي لا يراه أحد إلا من خلال ممراته المائية وثرواته التي تنهب وزعاماته الفاسدة التي تتحالف حتى مع الشيطان الذي يومن لها سلطة البقاء.