من المؤسف جداً أن تتحول الحلول إلى أسباب للحرب، ويتم شرعنة الفشل، وجعله أسلوبا سياسيا وطنيا في بلد يعيش كارثة حقيقة من أقصاه إلى أدناه.
لقد صار حديث كل السياسيين محليا وخارجياً عن (المرجعيات الثلاث) وبشكل سمج للغاية، يستغبي الرأي العام، خاصة مع ظهور صورة جديدة من سياسيي (الغفلة) الذين يتحدثون عن تلك المرجعيات، وكأنها آيات قرآنية ثابتة، وهذه هي الكارثة التي عادة ما يصنعها السياسيون ويتناقلوها بأسلوب تقليدي لا ينفك وسياسة المخلوع علي عبدالله صالح وأن تغيرت ملامح أو توجهات أولئك السياسيين.
تلك المبادرات أو المرجعيات الثلاث المقصود بها (المبادرة الخليجية – مخرجات الحوار الوطني – قرار مجلس الأمن 2216) فشلت في مهدها، وتحولت إلى ثلاثة أسباب رئيسية للحرب، وبشكل متدرج، أولها المبادرة الخليجية، يتلوها الحوار الوطني الفاشل، ومن ثم يأتي القرار الأممي الذي فشلت الأمم المتحدة بتطبيقه.
ومن المؤكد أن الحلول في اليمن فشلت لسبيين هما:
الأول: رفض السياسيين في الشمال الذي لولاه لما وصل البلد لهذه الكارثة.
الثاني: تحول المرجعيات الثلاث التي يتحدثون عنها إلى نوازع للحرب، والتي تحمل في طياتها تناقضات كبيرة، منها مثلا قرار (2216) الذي يؤكد على دعم ما تسمى (الوحدة اليمنية) فيما هي أساس المشكلة، وهذا يتناقض مع ما تسمى (مخرجات الحوار الوطني) التي نصت على إنهاء تلمك الوحدة وتحولها إلى (اتحادية).
المشكلة في اليمن لا تكمن في انعدام المبادرات أو الحلول، بل في عدم تقبلها من أطراف الشمال، التي تولدت لديها عقدة نفسية بأنها مالكة ملك اليمن وحكمها المطلق، وأن الجنوب فرع عاد للشمال (الأصل).
نحن نؤمن أن هناك تشريعات وقوانين وضعية محلية ودولية موجودة ويجب تطبيقها، ولكن ما لا يمكن فهمه بشأن اليمن، هو كيف تتحول تشريعات الحلول باليمن إلى أسباب للصراعات، وهذا دليل على العقلية السياسية العقيمة في اليمن، سواءً حكاماً أو معارضين.
قال الرئيس علي سالم البيض: “لا يهم التوقيع ولكن ما يهم هو حسن النوايا”، قالها بحسب الكثرين وهو يوقع اتفاقية (العهد والاتفاق) التي عقدت بالأردن عام 1993، لغرض إنهاء الاحتقان بين شريكي الوحدة اليمنية، ولأن الطرف الشمالي دأب على تحويل قرارات الحل إلى قرارات حرب ونزاع، كانت حرب 94 نتيجة توقيع اتفاق الأردن وقبله اتفاق الوحدة اليمنية.
وهكذا سارت الأمور مع (الطرف ـ الأطراف الشمالية) التي لا تؤمن بأي اتفاقيات أو حوارات ما لم توافق رغباتها النزغة وأطماعها الباغية، التي تورد الشعب الشمالي، وكذا الجنوبي المهالك منذ العام 90 وحتى اليوم.
لا تحتاج الأزمة اليمنية لتمسك السياسيين بقرارات أو مبادرات فاشلة، تعيق الحل وفقا لرغبات حزبية أو مصالح ضيقة، لا علاقة لها بالوطنية، بل تحتاج إلى صياغة حلول جديدة يجب تقبلها بنوايا حقيقية لإنقاذ الشمال والجنوب من الموت وشلال الدم المستمر منذ 94، والأهم هو إيقاف ممارسات المسؤولين والقادة (تجار الحروب).
وفي الحقيقة.. استطاع المبعوث الأممي لليمن ولد الشيخ تشخيص عوائق الحل باليمن تماما بقوله في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن: “إن الزعماء يغتنون ويرفضون الحلول، كونهم أن قبلوا بها سيخسرون قدرتهم على التحكم والسيطرة”، وهذا هو العائق الأكبر للحلول، وطالما هذه العقليات تتحكم بالقرار فلن يجد الشعبان (الشمالي والجنوبي) الاستقرار والأمن والخروج من الكوارث.
*- الأيام