كعادتنا نشير إلى مكامن الخلل ونجيد تشخيص حالنا إلاّ أننا لا نفعل شيئاً لتجاوز ذلك.
جميعنا يشير إلى غياب المرجعيات الجنوبية في هذه الأثناء، بمعنى أدق نعاني في الأصل من خذلان المرجعيات السياسية التي عجزت عن خلق حالة توافقية فيما بينها، وبالتالي غياب رؤيتها السياسية بسبب تشنجها وتضارب بياناتها التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
حتى إن فكرة تدعيم وتطوير المجلس الانتقالي لم تكن ضمن أجندة تلك النخب السياسية التي هي في حالة موات، إن جاز التعبير، وغير متصلة أصلاً بقضية شعبها.. رغم أنها تدعي أنها صاحبة الثقل، فلا تدري كيف تستمد ثقلها الوهمي إذا كانت غير معبرة عن نضالات شعبها وليست حاضرة في المنعطفات الصعبة والدقيقة.
لا تمتلك رؤية سياسية تكون قادرة على جعلها رسالتها للعالم.. وتخاطب من خلالها المحافل الدولية. إلا أنها وفق كافة المعطيات مكتفية منذ زمن بحلزونية عمل تقليدي لا يجدي نفعاً ولا يؤتي أكله.
حالة من الجمود الفكري ربما هي مطلقة، ما يعني أن الشارع الجنوبي صاحب النضالات والتضحيات الشاقة والطويلة عليه ألا يعتمد على فكرة إحياء تلك الرموز والنخب السياسية التي هي في حالة سبات مع ماضيها، عاجزة كل العجز عن مغادرته، وذلك ما بينته المراحل الماضية.
أعني هذا الشعب الرائع هو من يصنع رموزه وواجهاته السياسية، وهو أقدر على ذلك، فما أفرزته مقاومته البطلة هو أساس يمكن البناء عليه وتطويره، ومعالجة ما تظهر من مشكلات وعوائق من منظور شعور الجميع ويقينهم أن الجنوب لكل أبنائه.
تخطي الماضي - حسب اعتقادي - أنجزته المقاومة الجنوبية بكافة أطيافها وحالة التصالح والتسامح جسدتها الجماهير الجنوبية بكل شموخ وإباء. إلا أن خذلان الرموز والنخب السياسية دائماً ما يعيدنا إلى ذات المربعات وهو واقع لا يمكن معه أن نحقق حلم شعبنا العظيم.
تخطي ذلك يتطلب تدعيم أي كيان سياسي هو عنوان للإرادة الجنوبية، وتجاوز المرجعيات والرموز التي لا حضور لها في هذه الآونات الهامة في مسيرة شعبنا، والالتفاف حول رموز وطنية مسؤولة وحريصة على تحقيق إرادة شعبنا في حين تشكل فكرة إنشاء مرجعية جنوبية رديفة للمجلس الانتقالي ومكملة لنشاطه، إذا ما تم الأخذ بأهمية ذلك.
فالمرجعيات القبلية على أهميتها تعرضت للإقصاء في العقود الماضية وحالة تواجدها في هذه الأثناء ذات أهمية في خلق تجانس اجتماعي باعتبارها مرجعيات ذات ثقل لا تتعارض مع المرجعيات السياسية بل مكملة لها، مبنية على أساس الثقل السكاني.
بذلك يمكننا تجاوز خذلان المرجعيات الجنوبية التي لا تمتلك القدرة على تخطي ماضيها، لأننا أمام حالة مصيرية ينبغي أن لا نتعاطى معها بعاطفية، وتلك الحالة الأبوية في تعظيم الرموز الشائخة التي لا تبدو مكترثة بمآلنا.
*- عن الأيام