عمل طيلة سنوات حكمه على جمع أكبر ترسانة عسكرية تقليدية تفوق ما جمعه نظراؤه في الحكم ممن أطاحت بهم ثورة الربيع العربي.. هكذا كانت تحسبات المخلوع صالح شديدة الإحكام بعد أن كون لنفسه جيشاً عائلياً واطمأن لفكرة التوريث. ما جمع من عتاد عسكري كان مهولاً بكل ما في الكلمة من معنى، كل هذا تحسباً منه لقمع أبناء شعبه.
تم توزيع تلك القوة على معسكرات وتم اختيار مواقعها الجغرافية بعناية فائقة، لم يكن معسكر خالد الذي يجثو على مساحة جغرافية تزيد على تسعة كيلومترات مربعة إلا واحداً منها خص به تلك الجهة الجنوبية التي ظل يشعر أنها تنازعه الحكم وتميل للتمرد عليه بحكم عددها السكاني الكبير.
من هنا أولى معسكر خالد اهتمامات خاصة من حيث التسليح والتحصين، ولم يكن معسكراً عادياً بقدر ما كان قلعة عسكرية بكل ما في الكلمة من معنى.
وبؤرة وجود استخباري يحكم بالجهة الجنوبية المفتوحة ويخص محافظة تعز ونواحيها، بالإضافة للمحافظات الجنوبية في نطاق ما شن عليها صالح من حروب وأعمال تخريبية.
وكثيرا ما كان يشير إلى تلك القلعة بشيء من الزهو من منظور يقيني بقدرتها على سحق وإخماد أي تمردات على حكمه.
فهل يمثل سقوط طاهش الحوبان تحولاً في مسار المواجهات مع تحالف صالح والحوثي الهش وفق الكثير من المعطيات التي تشير بجلاء إلى خلافات طرفي المعادلة على نطاق واسع؟.
ذلك ما تذهب إليه التحليلات العسكرية التي يرى أصحابها أن أسطورة صالح أخذت في التلاشي، كما هي تحالفاته في طريقها للانهيار وفق معطيات المعارك، خصوصاً في الجبهة الجنوبية التي حرص طرفا الحوثي وصالح على الزج فيها بأعداد عسكرية هائلة، ما شكل فرصة للتحالف والشرعية في توجيه ضربات عسكرية ماحقة، أدت إلى تكبد الانقلابيين خسائر في الأرواح والمعدات، ناهيك عن سقوط مواقع هامة جدا، أبرزها ميناء المخا الذي ظل يشكل حبلا سريا لهم من حيث الحصول على الكثير من احتياجاتهم العسكرية والمدنية.
والثابت أن طرفي الشرعية والتحالف يمضيان في تنفيذ خطط عسكرية ذكية، هدفها الأساسي جر عناصر صالح والحوثي لمواجهات واسعة في تلك الجهة مترامية الأطراف.
استراتيجية عسكرية بنفس طويل أدت خلال الفترة الماضية إلى تداعي قوة الانقلابيين وصولاً إلى خسارة أهم مواقعهم، سواء خسارة ميناء المخا أو المناطق المجاورة، كل ذلك جرى بأقل الخسائر بالنسبة للشرعية والتحالف.
وصولاً إلى سقوط قلعة المخلوع الحصينة - أعني معسكر خالد ـ السقوط الذي يحمل تبعات موجعة، ويشكل تحولاً ملحوظاً في المواجهات بعد أن بدت الجبهة الجنوبية مفتوحة أمام تقدم قوات الشرعية الماضية وبقوة في إلحاق الهزائم المتتالية بالطرف الانقلابي، الذي يعاني من تصدعات عميقة، وهو ما جعلهم عقب سقوط هذا المعسكر يتصرفون بطريقة عصبية تبين انهيارهم التام، أو هي مقدمة على ذلك.
فها هي تلك المليشيات توجه صواريخها الباليستية صوب المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة، وهذا التصرف الأخرق الخالي من الحكمة والحصافة والمستفز لمشاعر العالم الإسلامي إنما يدل على حالة تخبط واضحة في تصرفات هؤلاء الذين جلبوا الموت والدمار لأبناء شعبهم المغرر بهم.. فهل يمكن المراهنة على أسطورة صالح المنهارة أصلاً، في تقديري أن الأمور تمضي باتجاه الحسم العسكري القريب، لو استمر هؤلاء على حال المكابرة.
فطرفا الحوثي وصالح في أشد لحظات الوهن والضعف والتخبط، ناهيك عن تصدع تحالفهما المرحلي الهش ما ينذر باختراقات واسعة في الأيام القادمة، تطيح بما تبقى من أسطورة الرجل الطاغية.. الذي لم يتوانَ في الزج بأنصاره في معارك خاسرة لا يوجد في قاموسها ما يوحي بتحقيق أدنى الانتصارات.
وهنا يبرز السؤال ماذا بقي لصالح والحوثي من مكامن القوة بعد أن استهدفت مقراتهم العسكرية واستنفدت طاقاتهم البشرية؟.
دون ريب.. الأيام القليلة القادمة سوف تكشف حالة الوهن لدى الانقلابيين.