لم يعد مخفيا أن الحرب الدائرة في اليمن يمكن اختصارها بصراع حول السلطة بعيدا عن مصالح الغالبية العظمى من المواطنين الذين وقعوا في مصيدته دون أن يكون لهم دور ولا رأي فيه، واليوم بعد مرور ٢٨ شهرا تواصل أطراف الحرب اليمنية التشبث بمواقفها.
الأطراف الحاضرة هي: الطرف الانقلابي الذي احتجز الرئيس هادي، ورئيس الوزراء بحاح، وعددا من أعضاء حكومته في ٢٠ يناير ٢٠١٥ ،يدعي أنه يمثل سلطة «أمر واقع» في العاصمة صنعاء، وفي الطرف الآخر يتزعم هادي معسكر (الشرعية) مستندا إلى دعم خارجي مستمر والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وأخيرا ظهر طرف جديد هو (المجلس الانتقالي) الذي تزعم قيادته أنها تمثل الجنوب وتعبر عن إرادة سكانه.
لكل طرف مؤيدوه، بعضهم عن قناعة بالهدف المعلن للأطراف، وآخرون وهم الأكثرية مستفيدون من استمرار الحرب، ولكن المواطن البسيط بعيد عن صراعاتهم التي يدرك أنها لا تتجاوز التشبث بالسلطة واقتلاع الآخر حتى وإن كانت النتيجة استمرار النزيف والأحقاد والكراهية والدمار النفسي.
منذ أن ارتكبت جماعة (أنصار الله – الحوثيين) حماقتها الكبرى باحتجاز رئيس الدولة ورئيس الحكومة، دخلت البلاد في أتون حرب أهلية لم تنج منها أية رقعة جغرافية، وسالت الدماء، فصار في كل بيت يمني أسرة شهيد أو معاق أو مفقود، ورغم الارتفاع المذهل في الحصيلة اليومية إلا أن ذلك لم يدفع قادة الحرب الأهلية إلى التوقف لحظة واحدة لمراجعة النفس والبحث في المخارج التي تبدأ رحلة البحث عن السلام، ومن السخرية أن مشاهد الدمار والدماء تجد من يبررها ويدافع عنها بشعارات هي أقرب للهزل، فنجد فريقا يرفع شعار (الصمود ودحر العدوان) متناسيا أنه من حرض المنطقة كلها على مواجهته وأدخلها في مسار عنف لا تبدو له نهاية، وآخر يتمسك بشعار (الشرعية) متجاهلا أنها في عمقها مسؤولية أخلاقية وليس قدرة على العزل والتعيين وإصدار القرارات التي صارت مصدر إرباك لها وللتحالف، وتحمل في طياتها الكثير من عدم الجدية تجاه أزمة تاريخية تواجهها المنطقة برمتها، وعدم إدراك لتبعاتها السياسية والاجتماعية.
أيضا في الجنوب جاءت ردة الفعل غير مدروسة على قرارات (الشرعية) المفاجئة، وتم الإعلان عن تشكيل (مجلس انتقالي) حملت نصوص بيانه الأول تعبيرا عن سقف غاية في الارتفاع لا يمكن تحقيقه لمجرد كونه رغبة شعبية عارمة، فقد تجاوز في مواده الأدوار التي يمكن القبول بها وطنيا وإقليميا ودوليا، ورغم قناعتي التي لم تتبدل منذ أكثر من٢٠ عاما بأحقية أبناء المحافظات الجنوبية المطالبة بالنظام الذي يرتضونه حتى لو بلغ الطموح حد الدعوة للانفصال، إلا أن ذلك لا يمكن إنجازه لمجرد الصراخ في وسائل الإعلام ولا عبر بيان أو تصريح لقادة المجلس، إذ إن الأوضاع في الجنوب تحتاج في البداية إلى تسوية تاريخية بين قياداته تنعكس على مشاعر وتصرفات الناس وتجمع شملهم وتوحد رؤيتهم للطريق الذي يجب أن يسلكوه وتجاوز العراقيل والمطبات، وكنت أتمنى لو أن الكيان الجديد بدأ كحزب سياسي ينضوي تحت رايته كل جنوبي مؤمن بفكرة استعادة الإقليم أو الدولة، وما زال في الأمر سعة لتدارك أخطاء الاستعجال والتوقف لدراستها ومعالجتها.
في خضم هذ الصراع لإدارة بلد مدمر كان الناس يأملون في الجسم الدستوري المتبقي من كيان الدولة وهو (مجلس النواب) موقفا يتناسب مع مهامه الأخلاقية والوطنية،
ورغم أن عددا كبيرا من أعضائه فروا من اليمن بعد ٢٠ يناير ٢٠١٥ وتركوا ناخبيهم يعانون لوحدهم من ويلات الحرب بسبب دخول الميليشيات إلى كل المحافظات، إلا أنه كان من
المتوقع أن يعودوا إلى مناطقهم التي خرج منها الحوثيون، لكن ذلك لم يحدث، وبقي هؤلاء في مهجرهم ينتظرون من المواطنين الدفاع عن أرضهم حتى يعودوا هم ليمارسوا أعمالهم فيها، ومن المؤسف أن كثيرين من أعضاء المجلس تخلوا عن ناخبيهم منذ فترة طويلة وعادوا اليوم ليستفيدوا من مواقعهم التي وصلوا إليها قبل أكثر من ١٣ سنة كانوا شركاء بالصمت أو التواطؤ خلالها في كل مآسي اليمن، ولعله من غير المتوقع أن يعملوا بجد للتفكير في إعادة تماسك المجلس وتناسي همهم الشخصي لمرة واحدة.
*- عكاظ