[ليس من الأسرار القول إن كل الدعم الإقليمي والدولي لمكونات "الشرعية" التنفيذية لم يفلح في تحويلها إلى كيان متماسك]
[ملخص
ما لم يتمكن "المجلس" والحكومة" من العمل الجاد وعدم الاكتفاء بالمصفوفات والبيانات والصور، وما لم يتعاونوا جميعاً لتجميد كل أوجه الإنفاق الترفي، وما لم ينفذوا التوجيهات التي يصدرونها للاستهلاك الإعلامي، وما لم يكونوا جميعاً متابعين لكل ما يصدرونه من قرارات، وما لم يكونوا هم النموذج، فحينها لا يمكن للناس إلا البدء في وضع المقارنة بين ما يدور في عدن وما يدور في صنعاء. وفي الحالين فالسلطتان تعبير عن بؤس الساسة اليمنيين وهزالهم]
تعيش "الشرعية" منذ عام 2015 على الدعم السعودي المباشر والسخي كشريان لبقائها، ولولاه لكان المشهد اليوم شديد الاختلاف، وعلى رغم كل ما أنفقته الرياض والأعباء السياسية التي تحملتها على الصعيد الدولي فإنها لم تتخلَ عن جارتها الأكبر والأكثر حضوراً وإزعاجاً في ذهن صانعي القرار السعودي ومنفذيه.
وليس من الأسرار القول إن كل الدعم الإقليمي والدولي لمكونات "الشرعية" التنفيذية لم يفلح في تحويلها إلى كيان متماسك وقوي يستطيع مواجهة الأخطار التي يسببها التشظي الداخلي والنفوذ الإيراني المتعاظم، ومرد ذلك إلى أسباب ذاتية وأخرى موضوعية، وفي كل حال فهي تعاني وهناً شديداً لم ولن يجد معه الترقيع والقفز على الواقع.
وكانت آخر المحاولات السعودية المعلنة في مارس (آذار) 2022 حين استضافت "مشاورات" يمنية - يمنية تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما شارك فيها عدد قليل من المستقلين. وكانت النتيجة التي أعلنت، فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022، هي تشكيل مجلس القيادة الرئاسي من شخصيات تقف، في الأقل نظرياً، في مواجهة المشروع الذي تسعى إليه "الجماعة" التي داعمها الرئيس هو الحكومة الإيرانية، وذلك ليس سراً يخفيه الطرفان.
ولكن الحسابات التي عول عليها الناس ومجلس التعاون وتمنوا أن ينجزها "المجلس" جاءت نتائجها محبطة ومخيبة للآمال، لأن الهدف الذي بنيت التركيبة لتحقيقه جاء ممثلوها محملين بتناقضاتهم الماضية التي لم يتمكنوا من تجاوزها، على رغم المحاولات المتكررة والمستمرة من رئيس "المجلس" للحفاظ على الهيكل، ولكنه لم ينجح في تجاوز التجاذبات داخله وصار الأمر أقرب ما يكون إلى إدارة أزمة لم يفلح من فكفكتها لارتباطها بمؤثرات فاعلة شخصية داخلية وإقليمية.
وليس في القضية ألغاز، لكن المؤكد أنها محملة بكثير من المطبات الداخلية أخطرها هو قلة الانسجام (على رغم الحديث الرسمي الذي ينفي ذلك)، وكذلك عدم القدرة على وضع برامج زمنية يمكن عبرها مراقبة الأداء والإنجاز، لكن الذي حصل هو الانشغال المستدام بالتعيينات العبثية والإنفاق غير المبرر، عوضاً عن عدم الاهتمام بكيفية صياغة مستقبل البلاد حرباً أو سلماً، عدا جمل مكررة ملها الناس.
وكانت، وما زالت المرحلة تقتضي التفرغ الكامل لرئيس وأعضاء "المجلس" لدراسة الحاجات العاجلة لتثبيت عمل المؤسسات داخل المحافظات البعيدة من تأثير جماعة الحوثي، ولكن الحاصل هو نشوء مراكز قوى متصارعة داخل كل محافظة تعمل خارج نطاق تأثير ونفوذ "المجلس". هنا يكفي الحديث عن العجز الفاضح عن تشغيل منظومة الكهرباء في مدينة عدن، وليس ذلك فحسب، بل إنها صارت بؤرة فساد تبتلع كل مداخيل الحكومة من دون حصول المواطنين على خدمة تساوي حجم الإنفاق أو حتى تقترب منه.
وبالعودة إلى دور "المجلس" فإن المواطن يتوقع من أعضائه الالتزام والحرص على تحقيق السلام لأنه الهدف الذي تم إقراره في السابع من أبريل (نيسان) 2022، واعترفت حينها بفشل الحلول العسكرية، ومن دونه فإن المأساة ستظل تلقي بظلالها شديدة السواد. ولتحقيق ذلك فإن الاختبار الأول هو في الوجود الجماعي المستمر داخل اليمن وعدم الاكتفاء باللقاءات عبر "الزوم" لأنها تعبير عن فشل سياسي وشخصي في ترتيب أوضاع مساحة صغيرة داخل المجمع الرئاسي (معاشيق)، وذلك ينعكس على نظرة المواطنين إزاء مجمل نشاطاته، وفقدان الثقة به.
ولقد كان من اللازم سياسياً ودستورياً أن يقدم "المجلس" بعد عامين من تشكيله تقريراً وطنياً يشرح فيه الإنجازات الحقيقية التي أثرت في المشهد السياسي والاجتماعي والخدمي، ولكنه عجز عن ذلك لانعدامها. وكان عليه أن يوضح للناس من دون غموض ما يدور في المجمع الرئاسي وخارجه، ولكنه أيضاً لم يقدم للناس الأسباب المقنعة، هذا ليس إنكاراً لحقائق الأوضاع وصعوبتها على الأرض، لكن لا يجوز أن تصبح مشجب التبرؤ من المسؤولية والاكتفاء بذلك.
إن هذه الصورة البائسة والمؤسفة يمكن تحسينها بقليل من الجدية والصدق والتزام قواعد العمل المؤسسي بأبسط صوره، أي الانضباط. ونقطة البداية هي أن يتوقف أعضاء "المجلس" عن العبث بهياكل السلطة جميعها، لأن الاستمرار في
*- من منصة إكس