عولمة البوركيني… وهل يخشى العرب من تغلغل الدب البوتيني؟

2016-08-28 23:21

 

ليس قليلاً حجم الإبداع في البوركيني، المايوه الاسلامي، فهو أنيق للغاية ويُغلق المرأة بشكل محكم، ويحمي تضاريسها من انزلاق العيون الفتاكة، ومن حمّى الشغف الذكوري المنفلت أحياناً، خاصة في أماكن جرت العاد بأن تكشف المرأة عن أجزاءٍ وأجزاء من جسدها.

وبهذا الاختراع الذي بدأ باجتهاد فردي، يُفترض أن تتمكن المرأة المسلمة عملياً من ممارسة السباحة بحرّية كاملة ومشاركة الاخرين في الأنشطة داخل المنشآت الرياضية. وحتى إن كان الغطاء الكامل يبدو غير مناسب في بعض البلدان الحارة، إلّا أن أفق الإبداع واسعٌ أمام «التنويع على البوركيني» بألوانه وخاماته وتشكيلاته، وبما يتوافق مع درجة حرارة المواسم والبيئة المناخية.

 

هذا الأمر، بحد ذاته، ليس مثيراً للغاية، فالمرأة المحجبة لها شؤون معروفة في الملبس والمسعى، لكن انتشاره الواسع في أوساط غير المحجبات ونساء من مللٍ مختلفة جذب موجات من التفاعلات والصدمات، لكونه أتى من جهة مثيرة للقلق، فقد صُنع مخصصا للمرأة المسلمة أولاً ثم لمن وجدت إلى تلك الموضة سبيلاً مرضيا، فانغمس كثيرون في الإدلاء بآراء مختلفة وراح سياسيون وقادة كبار في تصوير الأمر وكأن كائنات «مّريخية» هبطت وارتكبت فعلا معاديا لثقافة حريات الجسد.

مفهوم ثقافة الجسد الحر أو العاري وصل في بعض دول أوروبا إلى تخصيص أجزاء من شواطئها الصيفية لمن أراد ممارسة حريته في «التعري» تحت أشعة الشمس، ليضع كتلة الجسد كاملة في الهواء الطلق ملفوفة بالخيوط الذهبية للشمس التي ترفع نسبة «الميلانين» في الجلد لحمايته من الأشعة الضارة فتشحنه بالسمرة الداكنة المحببة لدى سكان القارة البيضاء. ولهذا فإن الغطاء الكامل أثار هلع بعض الأوساط الغربية، فهو من وجهة نظرهم نقيض حاد بل وهاوية ثقافية سحيقة حين يُنظر إليها من «ذرى العري» كحق مكتسب.. وألحق صدمة ربما ستذهب على إثرها بعض الدوائر الغربية الحاكمة، وبعض الاحزاب اليمينية إلى المطالبة بتشريعات مناهضة لعولمة هذا «الحجاب الخطير» المنتشر خوفاً من أن يتغلغل ويغطي مساحات واسعة من شواطئ الدنيا.

 

فعل همدان الفاضح…

وأخيراً لبست إيران ثوب الخجل من الفعل الذي فضحته روسيا، فبعد أن «أمسكت» عن فتح أراضيها أمام القوى العالمية الكبرى منذ انطلاق الثورة الخمينية، تحت أي ظرف، ووضعت في دساتيرها وفي خطاباتها النارية وتعليماتها الدينية الطائفية عنوانا كبيرا مشتركا حول تحريم استخدام أراضي إيرانية من قبل الاخرين، خاصة الدول المستكبرة العظمى، جاءت لحظة النقض المؤلمة، وأصبحت إيران في حلٍّ من عهودها أمام جماهير الشعب العتيد المنضبط للخمينيات وللحوزات الدينية الحاكمة. روسيا فعلتها في همدان، وذاع سرها سريعاً، فخجلت إيران الخامنيئية جداً، وارتبكت وتضاربت تصريحاتها. الحقيقة تقول إن من يعملها مرة سيعملها ألف مرة ، ليس فقط مع روسيا ولكن مع أي حليف قادم وفي أي مرحلة، فالمصالح تتصالح والأبواب قد انفتحت، اضطر معها الملالي لارتكاب أعمال فاضحة بالسيادة الوطنية التي اعتبروها كالعرض والشرف في منهجهم الدوغمائي.. وبالطبع لا فرق بين روسيا وأمريكا، إلا إذا اعتبرت إيران أن روسيا دولة شيعية!

 

هل يخشى العرب الدب البوتيني؟

الدب الروسي في عهد بوتين تغول واحتدت أنيابه، وأنشب أظفاره في الأجواء والبر والبحر، واتسع حلمه بالصعود مرة أخرى إلى ذروة القطبية العالمية الفاعلة. يظهر ذلك من خلال سعيه الدؤوب لجعل تدخلاته المباشرة قوية للغاية إلى حدود تصل الى مستويات «الحرب المجنونة» التي يذهب ضحيتها كثير من المدنيين وتصاب المدن بالدمار الكبير.. فما تفعله روسيا في حلب لا يختلف كثيراً عما فعلته في غروزني الشيشانية قبل سنين خلت، مع اختلاف الأهداف، على اعتبار أن الأخيرة كانت «حربا داخلية» في إطار الدولة الاتحادية.

 

حلب، حسب مراقبين، أصبحت بعد التدخل الروسي المدينة الأكثر دماراً بين مدن العالم التي تعرضت للحروب الكبرى. وكما يبدو فإن روسيا قد رسمت مسبقاً مستوى وحجم تدخلاتها في مناطق تعتبرها قريبة من حدودها الجنوبية أو داخلة ضمن أمنها القومي، وهو مصطلح مطاطي تعلمه العرب منذ عهود بعيدة، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يضعوا خطاً فاصلاً بين أمنهم القومي ومصالح الآخرين.

 

يتبنى الكرملين منهج المشاركة في الملفات الساخنة للمنطقة من خلال سياسات التدرج عبر خطوات متتابعة، فهو يبدأ باللعب على المواقف الملتبسة، مثلما يفعل الآن في الملف اليمني، وما أن يجد مساحة كافية حتى يتمكن من التمدد وإجراء خطوة عملية بعد أن يصبح الآخرون جاهزين لتقبّله كطرف مشارك وفاعل.. حينها ينتقل إلى التدخل والضغط المباشر، وهكذا.

روسيا كما يبدو من سلوكها، لديها رؤية شاملة حول تحالفاتها في المنطقة، وكيفية بلورتها وتطبيقها وتوظيفاتها في كل مرحلة، وبشكل مواز تسعى للحفاظ على علاقات ثابته مع الدول العربية بمستويات مختلفة.. ولها مع كل دولة شأن منفرد، بحيث تضمن حضورها الفاعل لدعم حلفائها، وحماية مصالحها البعيدة مع الجميع في آن واحد.

في الجانب الآخر تتعامل الدول العربية فرادى مع الدول الكبيرة، سواء الإقليمية أو العالمية، ولا توجد أي مؤشرات حقيقية لقيام كتلة إقليمية ثابتة تتبنى رؤى موضوعية استراتيجية في الحفاظ على الدول العربية من التآكل والحروب والتدخلات الخارجية وتحمي أحقيتها في إدارة ملفات المنطقة قبل الآخرين.