من السنن الكونية الثابتة أن يبدأ المرء مشوار حياته الدنيا صغيراً ضعيفا لا يقدر على شيء , ثم حين يشتد عوده وتكتمل قوته يقدم زهرة شبابه وعصارة كهولته راضيا مختارا, يقدمهما إلى بلده ومجتمعه و وطنه الذي أحبه وعشقه وهام في ترابه, ثم تمضي حياته إلى ما شاء الله أن تمضي, في صورة هي أقرب إلى العد التنازلي, ليعود كبيرا ضعيفا لا يقدر على شيء, تستوطنه آلام الشيخوخة وأدواء الهرم..
مجالات شتى, وأشخاص مختلفون مضوا في درب الحياة الدنيا, فمنهم من قضى نحبه, ومنهم من ينتظر..
و بلدنا غيل باوزير بلد زراعي في المقام الأول توارثها الأحفاد عن الأجداد, ليس في الزراعة فحسب ولكن في الري أيضا, فشقوا الجبال وحفروا القنوات بأدوات بدائية بسيطة,وأنشؤوا حضارة تبهر السياح والزوار, وجعلوا غيل باوزير في يوم من الأيام سلة حضرموت الغذائية, سلة مليئة بالتمور وشتى أصناف الحبوب..
ثم بلد تعليمي يفد إليه الطلاب من شتى بقاع الأرض, حين كانت وسطى الغيل ودار المعلمين والثانوية الصغرى مراكز تشع بالنور والمعرفة, لا في حضرموت وحدها , بل في جزيرة العرب كلها..
وبلد رياضي يزخر بالعديد من النجوم والأسماء التي منحت الغيل شهرة واسعة ومقاعد دائمة في مجالس الرياضة, حتى بعد انحسارها عنها أو خمودها ..
وبلد ثقافي.. ففي الشعر والتمثيل له فيهما باع طويل, وفي الكتابة بأنواعها أكانت قصصية أم صحفية أم مسرحية أم ... وفي كل مجالات الثقافة..
أسماء لامعة مازالت أصداؤها تتردد وتتجاوب هنا أو هناك.. ونجوم زاهرة أنارت فضاءات واسعة في زمن كان الظلام يخيم على الجزيرة العربية كلها .. وزهور يانعة مابرح شذى عطرها في أنوف العارفين والمنصفين..
إنهم أجدادنا وآباؤنا وإخواننا, فعلوا كل ذلك دون أن ينتظروا منا جزاء أو شكورا أو أي مقابل مادي.. لكن ذلك لا يعني أن نقابلهم بالجحود والنكران أو النسيان , أو أن نجازيهم جزاء سنمار , ولكن قليلا من الوفاء ورد الجميل..
يجب أن نخلد ذكر من ماتوا بالتوثيق والتدوين والتأليف, وتعريف الأجيال بهم في مختلف المناسبات, وأن نرعى أحياءهم ونهتم بهم الاهتمام اللائق وبأشكال شتى أدناها زيارتهم أو السؤال عنهم ..
فكثير من أولئك الذين أفنوا حياتهم من أجلنا لا يبرحون منازلهم بعد أن هدت أجسامهم الأمراض المختلفة بسبب إهمالنا لهم وعجزهم عن دفع تكاليف العلاج ..فمنهم التربويون والرياضيون والشعراء والفنانون و.......... يجب أن نرد لهم جزءاً مما قدموه لنا من متعة وفائدة, ونعينهم على تكاليف الحياة أو العلاج... نذكِّر بهم في هذه العجالة, ونحتفظ بالأسماء لمن أراد..