ويستمر مسلسل القتل والسطو, هنا أو هناك, فلا القاتل شفى غليله واكتفى, ولا المقتول وجد من يقتص له أو يلاحق من قتله.. القتل خارج القانون, أو خارج دائرة الحق المتعارف عليه, جريمة بشعة لا يقرها إنسان سوي, فكيف بالقتل في وضح النهار, و على مرأى ومسمع من الناس, و في الشوارع الآهلة بالمارة أطفالاً ونساء و..... أ يبقى التوصيف له جريمة بشعة أم أن هناك أسماء اصطلاحية أخرى تعرفها الشرائع والقوانين, وتحدد العقوبة الخاصة بها؟؟
لم تسلم مدينة واحدة, أو تكن بمنأى عن هذا القتل وتلك الجرائم.. وغيل باوزير واحدة من تلك المدن التي نالت نصيبها الوافر .. ففي مساحة فيها لا تتجاوز كيلومترا مربعاً حدثت أكثر من ست جرائم منها, خلفت وراءها كثيراً من الثكالى والأرامل و الأيتام ..
نعم حدثت كلها في منطقة واحدة, لا تتعدى الكيلومتر الواحد, هي برع السدة أو رئة المدينة التي يتنفسون منها وبها , فالمدينة تكاد تخلو من الملاهي والحدائق و المنتزهات, لهذا يجد سكان المدينة في برع السدة هذه متنفسا لهم, يقضون بها أجمل الأوقات و أمتعها بعيدا عن روتين العمل ومشاغله, فيلتقي بها الأحباب ويجتمع الأصحاب, وتُجرى بها النقاشات , وتعقد الصفقات... و هي تقع الآن – بعد التوسع العمراني - في قلب المدينة , لهذا تجدها على مدار الساعة تعج بالحركة هنا أو هناك, و بالناس على مختلف أعمارهم وثقافاتهم وتوجهاتهم.. فانتشرت فيها المقاهي والمطاعم والأفران والبقالات والبوفيات ومحلات الوجبات السريعة والاتصالات.... بل تجد منها ما يمارس عمله على مدار الساعة, وتظل أبوابه وتمسي مفتوحة عدا أوقات الصلاة ..
في هذه البقعة الصغيرة, العامرة بالناس والحركة يحدث كل هذا القتل وهذه الجرائم, وكأننا نعيش في غابة لا في مدينة تحكمها النظم والقوانين ومحاطة بسياج من الأمن والعسكر والنقاط, وقبل هذا وذاك تحكمها الأخلاق الحميدة, والضمائر الإنسانية الحية, والخشية من الله.. كل هذا ولم تلق الدولة القبض على قاتل واحد أو سارق واحد .. تحدث الجريمة في الظهيرة, ويدفن المجني عليه بعد العشاء, وتدفن معه القضية كلها..
فهل انتهى بذلك كل شيء ؟؟؟ لا لم ينتهِ بعد .. فسوف يأتي الأبناء الذين شاهدوا القتل وسمعوا الرصاص والانفجار, وتشربوا ثقافتهما, جيل القرن الحادي والعشرين, سوف يأتون في يوم من الأيام, للانتقام من قاتل آبائهم أو أخوتهم, أو الانتقام من أبنائهما..
ولكن.. وسط هذا الظلام الدامس يظل قبس من نور يبدد أحزاننا وآلامنا, وهو أن القاتل ,ولو بعد حين, موعود بالقتل... و عزاؤنا أولاً وأخيراً في عدالة الله, فهو المنتقم الجبار ..