“عندما تتشابك الأمور علينا أن نشك فيما نقول، وفيما يقال، وليس فيما نؤمن”.
من الطبيعي أن لكل مرحلة حالاتها المتغيرة وتداخلاتها، ومن يدرك ذلك يدرك حجم الاختلاف في أنماط التفكير والتوجهات، وهي سنة كونية جُبِل عليها الإنسان، فتجد الاختلاف في كل مكان، في المنزل في العمل في الحارة وبين الجيران، وبين السياسيين، وحتى بين الابن وأبيه والأخ وأخيه وهكذا.
لكن لا يعني ذلك انعدام العمل المشترك وعدم التوافق على الخطوط العريضة والسير بشكل منفرد ومتنافر عن العمل الجمعي، وخاصة في شأن التوجهات الثورية المجتمعية، والتحركات السياسية والمصالح المشتركة.
من هنا تبرز مسألة ضرورة الالتقاء حول (القواسم المشتركة) أي التوافق على نقاط الالتقاء وإبقاء النقاط المتعارضة لمرحلة قادمة، قد تتقارب فيها لتصبح “نقاط التقاء مشتركة”، وعليه يتم بناء ما يطلق عليه (التنسيق المشترك - العمل المشترك).
كل ذلك يمكن تطبيقه على أهم نماذج التحركات، وهي “القيادة”، والقيادة لا تعني قرارا فرديا لتحقيق مصلحة جمعية أو وطنية، لأن ذلك يصنع التشتيت ويبرز التعارض، لكن القيادة تعني قرارا متلائما مع المصلحة الجمعية، وبالأخص في شأن القرار الثوري أو المصائر الشعبية.
نحن في الجنوب، لم نكن يوماً نعاني من (الفقر القيادي)، لأن القيادة ليست موهبة أو وراثة، بل هي تراكم من الخبرات والتوجهات الصائبة والشجاعة، تتمثل في القدرة على جمع القرارات المشتتة، لتصبح قوية من خلال قرار قيادي واحد، أو على الأقل قرار منسق بشكل واحد وملائم لكل مرحلة.
لهذا من المستحيل إيجاد قيادة على قلب رجل واحد، لكن يمكن صنع قرار قيادي واحد يهم الجميع ويجمع كلمتهم، مع الاحتفاظ ببقية التفاصيل، وخاصة في المراحل الحساسة التي تقتضي الضرورة الحتمية توفر ذلك.. وأقل شكل من أشكال القيادة أو النجاح فيها هو (التنسيق) الذي ليس بالضرورة أن يذيب المكونات أو يصهرها.
كما أن نجاح القيادة يقوم على عامل (الثقة) وعلى العمل من أجل التقارب، وليس التَّزمت الذي يدخل ضمن حالة الاستبداد، لكون الاستبداد كان ولا يزال معضلة وسببا رئيسيا في جلب المشاكل وعرقلة أي نجاح أو تقدم.
ونحن ندرك في الجنوب الكثير من التداخل، في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الثورة الجنوبية، وما لم يكن التنسيق بشكله الأدنى قائماً، فلا يعني ذلك أن بقاء الثورة على مسارها وحالها وفشل مشاريع استهدافها أن هناك قيادة، بل يشير إلى الفشل القيادي أو ما يمكن لنا تسميته (كساد قيادي)، وفي نفس الوقت نجاح الإرادة الشعبية في التمسك بالهدف المنشود، لكن أيضاً لا يعني ذلك نجاحا، لكون النجاح هو الانتقال بالثورة إلى مربعات أقرب للهدف، وليس البقاء على حالها، ويكون ذلك عبر العمل القيادي القادر على التخاطب بشأن الثورة وهدفها.
ولا توجد ثورة يخاطب الشعب فيها المجتمع الدولي والمحيط، بل هذا من عمل القيادة، التي تعكس توجهات الثورة وتنقل إرادة الشعب وتتفاوض سياسيا ودبلوماسيا بشكل راق ومنسق وبجهة واحدة، وليس كل جهة قيادية تفاوض وتنقل من جهتها ما تراه هي وتريده أو ما تحمله من أجندات.
من هنا يعني (التنسيق) أنه (وحدة القيادة) وتعني وحدة القيادة ضمان النجاح رغم تداخل المرحلة، وهذا مطلوب توفره لضمان التقدم بالثورة وإخراج الجميع من عنق الزجاجة.
* الأيام