المعارضة هي المرآة الحقيقية لأي سلطة، وهي التي تدفع بالسلطة الى تنفيذ اصلاحات حقيقية مخافة ان تسيطر المعارضة على الشارع، لكن عندما تغيب المعارضة الحقيقية او تكون اسوأ من السلطة أو لا تملك مشروع أو مشاركة في الفساد بشكل أو بآخر فأن الأمل في اصلاح السلطة يكون معدوما لأن السلطة لن تجد لها منافس يدفع بها الى اصلاح أوضاع البلد على مختلف المستويات.
السلطة اليوم موزعة بشكل هلامي بين عدة قوى، فالحكومة تسيطر عليها قوى سياسية متعددة، اضافة الى قوى غير واضحة، والأرض تخضع لسيطرة انصار الله من الناحية الأمنية والعسكرية في اغلب مناطق شمال الشمال، ومن الناحية الأخرى لا توجد معارضة واضحة، وبالتالي لا توجد قوة سياسية تراقب اداء الاطراف التي في السلطة وتنتقدها وتقدم حلول لها، وتضع السلطة في احراج امام الرأي العام عبر فضح فسادها والتربص لاخطائها ومكامن الضعف في أدائها.
كان يمكن لحزب الاصلاح "الاخوان المسلمين" ان يكون معادل موضوعي لانصار الله لكن تمترس الحزب في الكثير من المناطق مع القاعدة علنا جعله ملاذا غير آمن لليمنيين، اضافة الى أن تجربتنا معه خلال سنوات حكمة وتأثيره على القرار غير مشجعة ابدا.
كان يمكن للحزب الاشتراكي والناصري وبقية الاحزاب القومية واليسارية ان تكون المعادل الموضوعي لأنصار الله لكن تاريخها وماضيها الصراعي عبئ يثقل حركتها ويحد من فاعليتها في الكثير من المناطق، اضافة الى أنها اضحت احزاب نخبوية بعيدة عن هموم ومشاكل المواطن الحياتية وبعيدة عن واقعه اليومي واصبح بعض مثقفوها يتحدثون عن الموطن البسيط الاشعث الاغبر المبندق والمبردق بلغة استعلائية وكأنه كائن خرج من البحر، متناسين انه ثمرة من ثمار فشلهم السياسي وعجزهم وصراعهم على السلطة خلال العقود الماضية.
كان يمكن للمؤتمر الشعبي العام ان يكون معادل موضوعي لأنصار الله لكن تجربته الطويلة في الحكم والصراعات والحروب التي دمرت اليمن خلال سنوات حكمه واستخدام بعض اجنحته للقاعدة في تصفية الخصوم -اغتيالات 93/94- غير مشجعة.
البلد بحاجة الى قوة وطنية جديدة غير محملة باعباء الماضي وحروبه وتصفياته، قوة لا تتحدث اللغة المناطقية ولا تتمترس وراء المذهبية ولا تكون امتداد لقوة اقليمية او دولية.
البلد بحاجة الى قوة تتحدث لغة العصر، لغة العلم، لغة الحلول الاقتصادية للمشاكل، لغة الابحاث العلمية، لغة الحرية والعدالة وسيادة القانون.
البلد بحاجة الى قوة تعبر به هذا المستنقع الصراعي الماضوي، لتنقل الصراع الى البرامج الاقتصادية والسياسية ولغة الارقام والاحصاء.
البلد بحاجة الى شباب لا يشعرون بأن انتمائهم الى منطقة ما أو مذهب ما أقوى من انتمائهم للوطن.
البلد بحاجة الى من يعبر بأبنائه من المشاكل الحياتية اليومية ويعيد لهذا الشعب فعاليته بين الامم في الحياة الدنيا، ولا يحتاج الى من يعبر به الى الآخرة ويوهمه برغد العيش فيها.
البلد بحاجة الى قوة سياسية تعيد صياغة مفهوم الوطن الذي خدشته وشوهته القوى السياسية التقليدية والتاريخية والمناطقية والعصبوية والدينية.
اليمن بحاجة الى حزب وطني جديد يكون الشباب المثقف والواعي ونضيف اليد والذمة هم الفاعل الرئيس فيه ليكون المعادل الموضوعي لانصار الله وللسلطة بشكل عام، ليمارس هذا الحزب دور المعارضة البنائة والنقد الموضوعي البعيد عن المناطقية والمذهبية والسلالية، وليقدم مشروعا وطنيا جديدا منافسا للمشاريع التاريخية المطروحة من قبل بقية القوى والأحزاب الموجودة على الساحة.
علي البخيتي
نقلا عن صحيفة الاولى الاثنين 6/1/2015