يستفزني نوفمبر كثيرا, كلوحة طبيعية جميلة تستحث كاتبها أو شاعرها على البوح بخوالج النفس الدفينة, فنوفمبر ليس مجرد ذكرى احتفائية, ولا ذكرى عددية, يضاف لها رقما جديدا كل عام..
والثلاثون من نوفمبر 1967م – أيضاً – ليس – فقط - تتويجاً لنضال شعب أعلن صيحته التحررية من على قمم جبال ردفان الشماء في الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م, وليس حصادا لدماء الشهداء, وتضحيات الفدائيين , وليس يوما ارتفع فيه علم الحرية و الاستقلال.. وإنما الثلاثون من نوفمبر أعظم وأكبر من تلك المعاني كلها مجتمعة.. لا أدري لماذا يتجاهلها المؤرخون والمفكرون ودعاة وحدة الأمة بشطريها القومي والإسلامي؟؟؟!!!
فالثلاثون من نوفمبر 1967م – أولاً – كان أول بسمة عربية مضيئة في سماء النكسة, و رداً عملياً جباراً على هزيمة مُنيت بها الأمة قاطبة في الخامس من شهر يونيو حزيران من ذات العام أي بعد أربعة أشهر فقط من ذلك اليوم المسمى بيوم النكسة, أو حرب الأيام الستة التي انتصرت فيها إسرائيل على الدول العربية مجتمعة ..
وثانيا- كان الثلاثون من نوفمبر يوما خالداً لوحدة الأمة, لم يستثمره العرب أو المسلمون, ودول الجوار والمنطقة استثماراً صحيحاً لجعله نواة حقيقية لوحدة الأمة العربية و الإسلامية, بل ناصبوا الدولة الوليدة في ذلك اليوم العداء, وحاكوا ضدها الدسائس والمؤامرات.
فالثلاثون من نوفمبر أيها الإخوة, جمع ما يقرب من ثلاثين دولة (سلطنة وإمارة ومشيخة), وضم ما يقرب من ثلاثين علما ونشيدا و..... في نشيد واحد وعلم واحد ودولة واحدة, وقامت تلك الدولة الوليدة على مساحة لم تتوحد في دولة مركزية واحدة على مدى قرون وقرون, مساحة تمتد من سواحل المهرة المحادة لسلطنة عمان إلى باب المندب وقلعة صيرة في عدن.
كان ميلاداً حقيقياً لدولة ذابت فيها تلك السلطنات والمشيخات .. في وحدة اندماجية حقيقية حققت الكثير من المكاسب على مختلف الأصعدة, وأهمها المكاسب الاجتماعية, من قضاء على التمايز الطبقي والأسري, و على عنجهية القبيلة وصلف شيوخها, وعلى آفة الثأر المقيتة.. وغيرها الكثير..
ولا يخلو قاموس البشر والدول من الأخطاء والسلبيات, لكن اللوحة التي رسمها نوفمبر تظل جميلة مهما بهت لونها أو زال, والوجه الجميل لا تعيبه الندوب أو تجاعيد الزمان ..ولكن لو نظرنا لها بعين الحقيقة والتروي والإنصاف, بعيداً عن التعصب والمصالح الشخصية ..
الثلاثون من نوفمبر 1967 هو يوم الوحدة العربية الحقيقية التي غفل عنها المؤرخون أو مروا عليها مروراً عابرا, في غمرة انشغالهم بالوقوف على أطلال الوحدة السورية المصرية التي ولدت ميتة عام 1958م.. وقد آن الأوان اليوم لإنصافه ورد اعتباره .